للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّك إذَا قُلْت: مَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ، لَمْ يَسْتَقِمْ نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ عَنْ زَيْدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كَانَ الْقِيَاسَ، وَلَكِنَّهُ أَتَى عَلَى غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْبَابِ فِيهِ، فَيَفُوتُ كُلُّ مَعْنَاهُ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَصَدُوا إثْبَاتَ ذَلِكَ وَنَفْيَ مَا يَتَوَهَّمُ الْمُتَوَهِّمُ مِمَّا يُضَادُّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» فَإِنَّ الْمَعْنَى إثْبَاتُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ، لَا إثْبَاتُ الطَّهَارَةِ لَهَا خَاصَّةً، يَلْزَمُ أَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ وُجِدَتْ، إذْ قَدْ تُوجَدُ الطَّهَارَةُ وَلَا تُشْرَعُ الصَّلَاةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ آخَرَ.

الثَّانِيَةُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي الْقُوَّةِ: الْحَصْرُ بِإِنَّمَا، نَحْوُ: إنَّمَا زَيْدٌ فِي الدَّارِ، مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا. قَالَ إِلْكِيَا: وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْغَايَةِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " فَقَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ، وَوَالَاهُ، ثُمَّ مَاتَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثُهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ.

وَالثَّانِي: لَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ عَمَّنْ أَعْتَقَ. وَلِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي ": مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.

وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو حَامِدٍ، وَالْمَرْوَرُوذِيُّ إلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَا الْإِثْبَاتَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا فِي قُوَّةٍ (مَا، وَإِلَّا) ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهَا بِالْمَنْطُوقِ أَوْ الْمَفْهُومِ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَإِذَا انْتَفَى حُكْمُ الْإِثْبَاتِ عَمَّا عَدَاهُ، فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>