للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ النَّسْخِ وَهَلْ هُوَ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي؟ فَقَالَ: ذَهَبَ كُلُّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانٌ، وَلَيْسَ بِرَفْعٍ حَقِيقِيٍّ إلَى جَوَازِ النَّسْخِ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. قَالَ: وَأَمَّا نَحْنُ إذَا صِرْنَا إلَى أَنَّهُ رَفْعٌ لِثَابِتٍ حَقِيقِيٍّ، وَأَنَّ الْمُبَيَّنَ لَيْسَ بِنَسْخٍ أَصْلًا، فَلَا نَقُولُ عَلَى هَذَا بِنَسْخِ الْأَخْبَارِ، لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ حِينَئِذٍ تَجْوِيزَ الْخُلْفِ فِي خَبَرِ اللَّهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَهَذَا بِخِلَافِ تَجْوِيزِ النَّسْخِ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ. اهـ.

وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ الْقَاضِيَ، فِي تَفْسِيرِهِ بِالرَّفْعِ وَقَالَ بِتَجْوِيزِ النَّسْخِ فِي الْأَخْبَارِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ. وَلَمْ يَقِفْ الْهِنْدِيُّ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي، فَقَالَ: لَا يُتَّجَهُ الْخِلَافُ إنْ فَسَّرْنَا النَّسْخَ بِالرَّفْعِ، لِأَنَّ نَسْخَهُ حِينَئِذٍ يَسْتَلْزِمُ الْكَذِبَ. وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا فَسَّرْنَاهُ بِالِانْتِهَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ أَنْ يُرَادَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ لَا بَعْضِهَا. .

[نَسْخُ الْخَبَرِ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ]

الثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْخَبَرِ الْمَحْضِ أَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ، نَحْوُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: ٢٣٣] {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨] {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ نَسْخِهِ اعْتِبَارًا بِمَعْنَاهُ. قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ، وَتَبِعَهُ الْهِنْدِيُّ. قَالَ: وَأَمَّا نَقْلُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ فِي الْخَبَرِ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ خَبَرًا لَفْظًا وَمَعْنًى. قُلْت: لَكِنْ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى مَنْعِ نَسْخِ الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>