للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْجَوَازُ عَقْلًا فَالْأَكْثَرُونَ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ سُلَيْمٌ عَنْ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " فَقَالَ: لَا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ شَرْعًا. وَمَنَعَهُ الْهِنْدِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ سُلَيْمٍ فِي " التَّقْرِيبِ " أَنَّ غَيْرَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ يَقُولُونَ بِمَنْعِهِ عَقْلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ إلْكِيَا: لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ قَالَ: إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الظَّنَّ، وَكِتَابُ اللَّهِ قَطْعِيٌّ، فَكَيْفَ يُرْفَعُ الْمَقْطُوعُ بِمَظْنُونٍ؟ فَإِنَّ هَذَا شَاعَ مِمَّا يَلُوجُ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ مُفْضِيًا إلَى الظَّنِّ، لَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ مُسْتَنِدٌ إلَى قَاطِعٍ، وَذَلِكَ الْقَاطِعُ أَوْجَبَ عَلَيْنَا الْعَمَلَ بِالظَّنِّ، وَلَوْلَاهُ لَمَا صِرْنَا إلَى الْعَمَلِ بِهِ. فَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ مَقْطُوعٌ، وَالظَّنُّ وَرَاءَ ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا مَا رَفَعْنَا الْمَقْطُوعَ بِمَظْنُونٍ.

وَأَمَّا الْوُقُوعُ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ، وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَنَقَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَسُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ " فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَعِبَارَتُهُمَا: لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ "، وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ "، وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا. وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى نَفْيِ الْوُقُوعِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَدِلَّتُهُمْ صَرِيحَةً فِي نَفْيِ الْجَوَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>