للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِهِمْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ تَجُبُّ الْعِصْمَةُ مِنْ تَكْرَارِ الصَّغَائِرِ؛ لِالْتِحَاقِهَا حِينَئِذٍ بِالْكَبَائِرِ. وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعِصْمَةِ عَنْ الصَّغِيرَةِ الْمُفْضِيَةِ لِلْخِسَّةِ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ وَالْحِشْمَةِ. قَالَ: بَلْ الْمُبَاحُ إذَا أَدَّى إلَى ذَلِكَ كَانَ مَعْصُومًا مِنْهُ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِصْمَةَ عِنْدَ قَصْدِ الْمَكْرُوهِ.

[مَعْنَى الْعِصْمَةِ]

[مَعْنَى الْعِصْمَةِ] ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْعِصْمَةِ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا، فَقِيلَ الْمَعْصُومُ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالْمَعَاصِي. وَقِيلَ: يُمْكِنُهُ ثُمَّ الْأَوَّلُونَ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ: إنَّهُ يَخْتَصُّ فِي نَفْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ بِخَاصِّيَّةٍ، تَقْتَضِي امْتِنَاعَ إقْدَامِهِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: هُوَ مُسَاوٍ لِغَيْرِهِ فِي خَوَاصِّ بَدَنِهِ، وَلَكِنْ فَسَّرَ الْعِصْمَةَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ حَكَاهُ فِي " الْمَحْصُولِ ". وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِإِمْكَانِ الْوُقُوعِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ مَنَعَهُمْ مِنْهَا بِأَلْطَافِهِ بِهِمْ مِنْ صَرْفِ دَوَاعِيهِمْ عَنْهَا بِمَا يُلْهِمُهُمْ إيَّاهُ مِنْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ أَوْ كَمَالِ مَعْرِفَةٍ وَنَحْوِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: ١٥] ، وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: الْمَعْنِيُّ بِالْعِصْمَةِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ تَهْيِئَةُ الْعَبْدِ لِلْمُوَافَقَةِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ أُمِرُوا بِهَا، وَالْقُدْرَةُ تُقَارِنُ وُقُوعَ الْمَقْدُورِ، كَمَا قَالُوا: إنَّ التَّوْفِيقَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، فَإِذَنْ الْعِصْمَةُ تَوْفِيقٌ عَامٌّ، وَرَدَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعِصْمَةَ إلَى خَلْقِ أَلْطَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>