للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَابِعُهَا: أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ لَأَخَلَّ بِتَرْكِهِ. خَامِسُهَا: ذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَصْلًا بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ جَزَاءً، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: ٦٥] وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ رَجُلٍ وَأَعْطَاهُ لِآخَرَ، فَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَخْذَ وَاجِبٌ. سَادِسُهَا: أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ، كَالْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعَيْنِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ. فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ مُبْطِلَةٌ فِي غَيْرِ الْخُسُوفِ، فَمَشْرُوعِيَّتُهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى نَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي إيجَابِ الْخِتَانِ، وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ. مِنْهَا سُجُودُ السَّهْوِ، وَالتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَلَمَّا جَازَ لَمْ يَجِبْ. وَكَذَلِكَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى التَّوَالِي فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ: فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا إلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ، أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ بَيَانًا أَوْ يُقَارِنُهُ دَلَالَةٌ. وَأَمَّا الْخَاصُّ بِالنَّدْبِ فَأُمُورٌ: مِنْهَا قَصْدُ الْقُرْبَةِ مُجَرَّدًا عَنْ أَمَارَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا، وَبِكَوْنِهِ قَضَاءً لِمَنْدُوبٍ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ ثُمَّ يُخِلُّ بِتَرْكِهِ، كَتَرْكِهِ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا تَرْكُهُ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ بَعْدَ وُجُوبِهِ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ فِيهِ.

قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَمِنْهَا بِالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِعْلٍ آخَرَ ثَبَتَ [عَدَمُ] وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَقَعُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النُّدُوبِ آكِدٌ مِنْ بَعْضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>