للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةَ، فَلَا يَأْمُرُهُمْ بِتَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ، وَكَعِلْمِهِ بِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا، وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ. قَالَ: وَيَتَّصِلُ بِهَذَا مَا اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِهِ مِنْ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي أَشْيَاءَ سَكَتَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهَا مِنْ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَهَا كَمَا يَتَّخِذُونَ الْكُرُومَ وَالنَّخِيلَ، وَكَانَ الْأَمْرُ فِي إرْسَالِهِ الْمُصَدِّقِينَ وَالسُّعَاةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ ظَاهِرًا بَيِّنًا، وَكَانَ إذَا بَعَثَهُمْ كَتَبَ لَهُمْ الْكُتُبَ، فَتُقْرَأُ بِحَضْرَتِهِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لَأَمَرَ بِأَخْذِهِ، وَلَوْ أَمَرَ لَظَهَرَ كَمَا ظَهَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِيهَا الْوُجُوبُ لِلْأَخْذِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهَا، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَبِيعُونَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهَا لَمْ تَجْرِ بِهَذَا الْمَجْرَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ كَانَ يَبْلُغُهُ هَذَا الْفِعْلُ عَنْهُمْ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِنَّ مِنْ وُجُوهٍ، فَلَمْ يُعْتَرَضْ بِهِ عَلَى تِلْكَ الدَّلَالَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ مِنْ صُوَرِ كَوْنِ الشَّيْءِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَلَا يَتَعَرَّضُ فِيهِ بِالْأَخْذِ وَالْإِيجَابِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْخَضْرَاوَاتِ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ، فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ أَوْ أَوْجَبَهَا. قَالَ: وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ تَرْكُهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْفَرْضِ، فَأَمَّا الْمُبَايَعَاتُ وَالْإِجَارَةُ الَّتِي لَمْ تَرِدْ فِيهَا النُّصُوصُ الْمُبَيِّنَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، فَلَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَوَاتِ، وَقَدْ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُودَعَةِ فِي النُّصُوصِ، وَلَا يَكْفِي إقَامَةُ الدَّلَالَةِ فِي مِثْلِ الْخَضْرَاوَاتِ، بَلْ الْأَخْذُ وَالتَّقَدُّمُ بِالْإِحْرَامِ إنْ كَانَ فِيهَا فَرْضٌ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>