للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْجُودٍ، أَوْ كَاذِبُونَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ إخْبَارَهُمْ شَهَادَةً؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ إذَا خَلَا عَنْ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ شَهَادَةً، أَوْ لَكَاذِبُونَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فِي زَعْمِهِمْ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ خَبَرٌ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ حَالُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ، فَيَكُونُ كَذِبًا عِنْدَهُمْ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ نُبُوَّةَ الرَّسُولِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِلْمَشْهُورِ بِ {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: ٧٣] وَلَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَائِلِينَ لِذَلِكَ غَيْرُ عَالِمِينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ مَا أَخْبَرُوا عَنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ، وَأَصْرَحُ مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: ٣٩] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَذِبِ بِالْمُطَابَقَةِ الْخَارِجِيَّةِ، أَوْ بِهَا مَعَ الِاعْتِقَادِ.

[أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً ثُمَّ قَالَ هِيَ كَذِبٌ]

فَائِدَةٌ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، ثُمَّ قَالَ: هِيَ كَذِبٌ، امْتَنَعَ الْحُكْمُ بِهَا، وَفِي بُطْلَانِ دَعْوَاهُ وَجْهَانِ، اخْتِيَارُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ " نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِمَا فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّخْصُ ذَلِكَ وَأَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِكَذِبِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ. فَلَهُمْ حُكْمُ الْكَاذِبِينَ إذْ رَضَوْا بِخَبَرٍ يُجَوِّزْنَ كَذِبَهُ جَوَازًا غَيْرَ بَعِيدٍ، وَذَلِكَ رِضًى بِالْكَذِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>