للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ انْحِصَارِ الْخَبَرُ فِي ذِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ]

الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ فِي انْحِصَارِهِ فِي ذِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: ٣٩] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا» لِدَلَالَتِهِ عَلَى انْقِسَامِ الْكَذِبِ إلَى عَمْدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَذَبَ نَوْفٌ أَيْ الْبِكَالِيُّ لَيْسَ صَاحِبَ الْخَضِرِ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْجَاحِظِ أَنَّ صِدْقَهُ مُطَابَقَتُهُ لِلْوَاقِعِ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ، وَكَذِبَهُ عَدَمُهُمَا، وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ، وَكَأَنَّهُ أَجْرَى الصِّدْقَ مَجْرَى الْعِلْمِ فَكَمَا أَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِ، فَكَذَلِكَ الْخَبَرُ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ رَاعَى أَصْلَهُ الْفَاسِدَ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، فَرَاعَى فِي كَوْنِهِ صِدْقًا وُقُوعَهُ حَسَنًا لِمُفَارَقَةِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي حُسْنِ أَحَدِهِمَا وَقُبْحِ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ الْخَبَرُ حَسَنًا إلَّا مَعَ الْمُخْبِرِ بِحَالِ الْمَخْبَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَهُ عَلَى خِلَافِ مَا أَخْبَرَ يَقْتَضِي قُبْحَهُ، وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصِّدْقَ قَدْ يَقْبُحُ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَوْنُهُ صِدْقًا عِلَّةً لِحُسْنِهِ، كَكَوْنِهِ كَذِبًا عِلَّةٌ لِقُبْحِهِ.

بَلْ لَوْ كَانَ كَوْنُهُ صِدْقًا عِلَّةً تَقْتَضِي الْحُسْنَ، لَكَانَ الْحُسْنُ إنَّمَا ثَبَتَ إذَا انْتَفَتْ وُجُوهُ الْقُبْحِ. الثَّانِي: أَنَّ صِدْقَهُ مُطَابَقَتُهُ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ سَوَاءٌ طَابَقَ الْخَارِجَ أَوْ لَا، وَكَذِبُهُ عَدَمُهُمَا، فَالسَّاذَجُ وَاسِطَةٌ، وَالثَّالِثُ: هُوَ قَوْلُ الرَّاغِبِ: إنَّ صِدْقَهُ مُطَابَقَتُهُ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا، فَإِنْ فُقِدَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ صِدْقًا، بَلْ لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>