للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَرَاهِمَةُ: لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، بَلْ الظَّنَّ. وَجَوَّزَ الْبُوَيْطِيُّ فِيهِ. وَفَصَّلَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ مَوْجُودٍ أَفَادَ الْعِلْمَ، أَوْ عَنْ مَاضٍ فَلَا يُفِيدُهُ لَنَا أَنَّا بِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ وُجُودَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ كَبَغْدَادَ، وَالْأَشْخَاصَ الْمَاضِيَةَ كَالشَّافِعِيِّ، فَصَارَ وُرُودُهُ كَالْعِيَانِ فِي وُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ اضْطِرَارًا، وَقَدْ قَالَ الطُّفَيْلُ الْغَنَوِيُّ مَعَ أَعْرَابِيَّتِهِ فِي وُقُوعِ الْعِلْمِ بِاسْتِفَاضَةِ الْخَبَرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَقَادَ إلَيْهِ الطَّبْعُ، فَقَالَ:

تَأَوَّبَنِي هَمٌّ مِنْ اللَّيْلِ مُنْصِبٌ ... وَجَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُكَذَّبُ

تَظَاهَرْنَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِي رِيبَةٌ ... وَلَمْ يَكُ عَمَّا أَخْبَرُوا مُتَعَقَّبُ

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ السُّمَنِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ، وَإِنْ كَثُرَ، فَلَا اكْتِفَاءَ بِهِ، حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْقَرِينَةِ مِنْ انْتِفَاءِ الْحَالَاتِ الْمَانِعَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ وُقُوعَ الْعِلْمِ عَلَى الْجُمْلَةِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُضِيفُوا وُقُوعَهُ إلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ، بَلْ إلَى قَرِينَةٍ، وَوُقُوعُ الْعِلْمِ عَنْ الْقَرَائِنِ لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَصْفَى ": لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي أَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْيَقِينَ، إلَّا مِمَّنْ لَا يُؤْبَهُ بِهِ، وَهُمْ السُّوفِسْطَائِيَّة، وَجَاحِدُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى عُقُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ بِلِسَانِهِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>