للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنْ قَطَعَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِقَوْلِهِمْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ فَهُوَ حُجَّةٌ لِاسْتِنَادِهِ إلَى حُجَّةٍ قَاطِعَةٍ، فَإِنَّ الْعَادَةَ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْأُمَمِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ مَظْنُونًا، فَالْوَجْهُ الْوَقْفُ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ": إنْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ كَانَ حُجَّةً قُلْنَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لَمْ يُصَرْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ ": الْحَقُّ أَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ قَطْعِيٍّ صِرْنَا إلَيْهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ إلْكِيَا: لَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُجَوِّزُ كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا تَقَابَلَ الْجَائِزَانِ يُوقَفُ الْأَمْرُ عَلَى السَّمْعِ، وَلَا قَاطِعَ مِنْ جِهَتِهِ، فَتَوَقَّفْنَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ سَلَفَ كُلِّ أُمَّةٍ كَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ أَصْحَابَ الْمُرْسَلِينَ فِي أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَدِلَّةِ تِلْكَ الشَّرَائِعِ.

وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ لَهَا فَائِدَةٌ فِي الْأَحْكَامِ؟ وَإِلَّا فَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّارِيخِ، كَالْكَلَامِ فِيمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدِي بِنَاؤُهَا عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا افْتَقَرَ إلَى النَّظَرِ فِي إجْمَاعِهِمْ، هَلْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَهُمْ أَمْ لَا؟ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " الْخِلَافَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أُمَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ، هَلْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً؟ فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إجْمَاعُ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عِيسَى، وَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِكَذِبِهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِمْ؛ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِشَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فِي عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرٍ، مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>