للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَانِيهَا: أَنَّهُ مُرَجَّحٌ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ خِلَافُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحُسَيْن بْنُ عُمَرَ. انْتَهَى.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ نَقْلٌ مُحَصِّلٌ لِلْعَمَلِ الْقَطْعِيِّ، وَأَنَّهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، تُحِيلُ الْعَادَةُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤَ عَلَى خِلَافِ الصِّدْقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ أَوْلَى مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَالْأَقْيِسَةِ وَالظَّوَاهِرِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَالْأَوَّلُ مِنْهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ، وَمُرَجِّحٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ مُفْرَزُ الْإِيمَانِ، وَمَنْزِلُ الْأَحْكَامِ، وَالصَّحَابَةُ هُمْ الْمُشَافِهُونَ لِأَسْبَابِهَا، الْفَاهِمُونَ لِمَقَاصِدِهَا، ثُمَّ التَّابِعُونَ نَقَلُوهَا وَضَبَطُوهَا، وَعَلَى هَذَا فَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ حَيْثُ إجْمَاعُهُمْ، بَلْ إمَّا هُوَ مِنْ جِهَةِ نَقْلِهِمْ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ شَهَادَتِهِمْ لِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرْعِ، قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ الِاسْتِدْلَالِيُّ إنْ عَارَضَهُ خَبَرٌ، فَالْخَبَرُ أَوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَعَمَلُهُمْ الِاجْتِهَادِيُّ مَظْنُونٌ مِنْ جِهَةِ مُسْتَنَدِ اجْتِهَادِهِمْ، وَمِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ، وَكَانَ الْخَبَرُ أَوْلَى، وَقَدْ صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْخَبَرِ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْعِصْمَةِ كُلُّ الْأُمَّةِ لَا بَعْضُهَا. اهـ. وَقَدْ تَحَرَّرَ بِهَذَا مَوْضِعُ النِّزَاعِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْرَفُ بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>