للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

الْأَكْثَرُونَ مِنَّا وَمِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ، عَلَى جَرَيَانِ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، أَيْ: الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ، كَقَوْلِنَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ: اللَّهُ مَوْجُودٌ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ، فَيَكُونُ مَرْئِيًّا. وَحَكَى ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّرْعِيِّ. ثُمَّ قِيلَ: قَطْعِيٌّ، وَالْمُحَقِّقُونَ - مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ - عَلَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: الْقِيَاسُ الْقَطْعِيُّ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي إثْبَاتِ الْقَطْعِيَّاتِ، بِخِلَافِ الظَّنِّيِّ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا الْقَطْعُ، وَالْيَقِينُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ. وَذَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْغَزَالِيُّ إلَى الْمَنْعِ وَحَكَاهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ: وَلَيْسُوا مُنْكِرِينَ أَيْضًا نَظَرَ الْعَقْلِ إلَى الْعِلْمِ، وَلَكِنْ يَنْهَوْنَ عَنْ مُلَابَسَتِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ.

قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: الْعَقْلُ وُضِعَ لِإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ انْتِقَالُهُ عَنْ هَذَا أَبَدًا قَالَ: وَإِنَّمَا أَخْطَأَ النَّاسُ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُمْ رَامُوا جَعْلَ الْعَقْلِيَّاتِ كَالْمُوجَبِ فِي الشَّرْعِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَحَالُوهُ وَلَوْ سَلَكُوا بِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقَهُ لَأَصَابُوا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَطْلَقَ النَّقَلَةُ الْقِيَاسَ وَأَنَا أَقُولُ: إنْ عَنَوْا النَّظَرَ الْفِعْلِيَّ فَهُوَ فِي نَوْعِهِ مُفْضٍ إلَى الْعِلْمِ إذَا اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَهُ، مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا، وَإِنْ عَنَوْا بِهِ اعْتِبَارَ شَيْءٍ، بِشَيْءٍ وَاسْتِثَارَةَ مَعْنًى فِي قِيَاسٍ غَائِبٍ عَلَى شَاهِدٍ فَذَاكَ بَاطِلٌ عِنْدِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>