للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ هَلْ هِيَ دَلِيلٌ عَلَى اسْمِ الْفَرْعِ ثُمَّ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَوْ يَدُلُّ ابْتِدَاءً عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ؟ فَحَكَى عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ الْأَسْمَاءُ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ، فَكَانَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَرِكَةٌ ثُمَّ يَجْعَلُهَا مَوْرُوثَةً، وَأَنَّ وَطْءَ الْبَهِيمَةِ زِنًى ثُمَّ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَانَ يَقِيسُ النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْرًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الشِّدَّةِ ثُمَّ يُحَرِّمُهُ بِالْآيَةِ. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعِلَلَ تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ فَإِنْ كَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَمْنَعُ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرْعِ بِالْعِلَلِ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَسَائِلِ إنَّمَا تُعَلَّلُ فِيهَا أَحْكَامُهَا دُونَ أَسْمَائِهَا. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْعِلَلَ قَدْ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْأَسْمَاءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِلَلِ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ أَقْدَمُ مِنْ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِأُمُورٍ طَارِئَةٍ.

قَالَ إلْكِيَا: كَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: إنَّمَا ثَبَتَتْ الْأَسَامِي بِالْقِيَاسِ ثُمَّ تُعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِهَا نَحْوُ مَا كَانَ يَقُولُ: إنَّ الْقِيَاسَ يُوَصِّلُ إلَى أَنَّ وَطْءَ الْبَهِيمَةِ زِنًى ثُمَّ ثَبَتَ الْحَدُّ فِيهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ زِنًى أَنَّهُ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ تَمَحَّضَ تَحْرِيمًا فَكَانَ زِنًى، وَالنَّبِيذُ خَمْرٌ لِلشِّدَّةِ وَالْخَمْرُ مُحَرَّمَةٌ.

قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا النَّوْعُ بَاطِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَسَامِي يَتَلَقَّى مِنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ اللُّغَةِ وَمَعْرِفَتُهُ مَوْضِعَ اشْتِقَاقِ الِاسْمِ، ثُمَّ يَجْرِي عَلَى مَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ذَلِكَ الِاسْمُ، فَيَكُونُ نِهَايَةُ نَصِّهِمْ عَلَى فَائِدَةِ التَّسْمِيَةِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْقَوْلِ تَعَلُّقٌ بِالشَّرْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ شَرْعٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي يَخْتَصُّ الشَّرْعُ بِهِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ فَقَطْ بِأَنْ يُعَلِّلَ الْأُصُولَ الَّتِي يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا، لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ بِالتَّعْلِيلِ إلَى مَا شَارَكَهَا فِي الْعِلَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>