للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْعَقْلِيَّةَ تُفْعَلُ بِذَاتِهَا وَالشَّرْعِيَّةُ يَجْعَلُ الشَّارِعُ إيَّاهَا مُوجِبًا أَوْ عِلَّةً عَلَى الْخِلَافِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْعِلَّةَ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الرُّتْبَةِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَسْبِقُهُ فِي الزَّمَانِ أَوْ تُقَارِنُهُ؟ عَلَى مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهَا تُقَارِنُهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: الَّذِي ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَنُسِبَ إلَى الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالصِّفَةِ يَقَعُ مَعَ وُجُودِهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ عِلَّةٌ وَضْعِيَّةٌ، وَالطَّلَاقُ مَعْلُولٌ لَهَا مُقَارَنٌ فِي الْوُجُودِ، كَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ مَعَ مَعْلُولِهَا. انْتَهَى: وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَأَجَابَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: إنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ. أَنَّ الْإِكْرَامَ فِعْلٌ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَجِيءِ فَلَزِمَ التَّرْتِيبُ ضَرُورَةً، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْلُولٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِنَفْسِهِ وَمَا ذَكَرُوهُ تَرْتِيبُ إنْشَاءِ فِعْلٍ عَلَى وُقُوعِ شَيْءٍ وَهُوَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ضَرُورَةً. أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى زَمَانٍ مَخْصُوصٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعَهُ. وَلِلرَّافِعِيِّ إلَيْهِ صَغْوٌ ظَاهِرٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْعَقْلِيَّةَ تُقَارِنُ مَعْلُولَهَا لِكَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً بِذَاتِهَا، وَالْوَضْعِيَّةُ تَسْبِقُ الْمَعْلُولَ، وَالشَّرْعِيَّةُ مِنْ الْوَضْعِيَّةِ. حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ " الْمَطْلَبِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>