للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ بِمَا لَا تَثْبُتُ نِسْبَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ: وَقِيلَ: مَا يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا يُوهِمُ الِاجْتِمَاعَ فِي مُخَيَّلٍ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَلْيَقُ بِالْمَظِنَّةِ لَا بِالشَّبَهِ، لِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي أُصُولِهِ: قَدْ تَسَامَحَ عُلَمَاؤُنَا فِي جَعْلِ الشَّبَهِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ الْبَحْثَ فِيهِ نَظَرٌ فِي تَيَقُّنِ الْعِلَّةِ لَا فِي ذَاتِهَا. وَكَذَلِكَ نَفْيُ الْفَارِقِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ. وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى عِبَارَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ الْفَرْعُ فِيهِ دَائِرًا بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَأَكْثَرَ لِتَعَارُضِ الْأَشْيَاءِ فِيهِ، فَيَلْحَقُ بِأَوْلَاهَا، كَالْعَبْدِ الْمُتْلَفِ فَإِنَّهُ آدَمِيٌّ وَمَالٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، لَكِنْ هَلْ تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْمَالِيَّةِ، أَوْ لَا تُؤْخَذُ قِيمَةٌ زِيَادَةٌ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَسَمَّى الشَّافِعِيُّ هَذَا قِيَاسَ غَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ. قَالَ: وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِاسْمِ الشَّبَهِ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ عِلَّةِ مُنَاسِبٍ غَيْرِ أَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ الْعِلَلُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَعْدُ، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاسْمِ بَعْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ الْوَصْفُ الَّذِي يَظُنُّ بِهِ صَلَاحِيَّتَهُ لِلْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمُنَاسِبُ بِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْمُنَاسَبَةِ، وَالطَّرْدِيُّ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ نَفْيِهَا. وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا " مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ " عَنْ الْمَظِنَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تُنَاسِبُ بِذَاتِهَا، بَلْ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْوُضُوءِ: طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ تَفْتَرِقَانِ؟ يَعْنِي: فِي نَفْيِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، لَكِنَّا إذَا تَأَمَّلْنَا وَجَدْنَا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ طَهَارَةً حُكْمِيَّةً مِنْ دُونِ الْعِلَلِ مَا لَا نَجِدُ مِنْ قَوْلِ الْحَنَفِيِّ: طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ. وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ " حُكْمِيَّةٌ " يَصْلُحُ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَلَمْ يَنْكَشِفْ لَنَا، وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ عَرِيًّا عَنْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ طَهَارَةٌ مَا، فَإِنَّهُ لَا مُنَاسِبٌ وَلَا صَالِحٌ. وَمِثْلُهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ: طَهَارَةٌ مُوجِبُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>