للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّأْثِيرِ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ الْعَكْسِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا عَدَمَ التَّأْثِيرِ إلَى مَا يَقَعُ فِي وَصْفِ الْعِلَّةِ، وَإِلَى مَا يَقَعُ فِي أَصْلِهَا. وَجَعَلُوا الْوَاقِعَ فِي الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِعِلَلٍ، فَالْعِلَّةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَتَضَمَّنُ انْتِفَاؤُهَا انْتِفَاءَ الْحُكْمِ. وَهَذَا مَنْشَؤُهُ مِنْ تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ جَرّ ذَلِكَ إلَى الِانْعِكَاسِ، وَهُوَ يُوَضِّحُ أَنَّ تَقْسِيمَهُ إلَى الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ لَا حَاصِلَ لَهُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ " الْحُدُودِ: " إنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ وَالْعَكْسَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَكْسَ: عَدَمُ الْعِلَّةِ لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ، وَالتَّأْثِيرُ: زَوَالُ الْحُكْمِ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ مَا. قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَجِبُ زَوَالُ الْحُكْمِ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَصْلِ الْعِلَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَزُولَ الْحُكْمُ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَصْلِ الْعِلَّةِ. أَوْ مِنْ سَائِرِ الْأُصُولِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْقَاضِي. فَعَلَى هَذَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَكْسِ وَالتَّأْثِيرِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْعَكْسَ هُوَ زَوَالٌ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ. وَالتَّأْثِيرُ: زَوَالُهُ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ. انْتَهَى.

فَرْعٌ:

ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ إلْزَامُ الْمُعْتَرِضِ نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ نَفْيِ عِلَّتِهِ بِمُجَرَّدِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عِلَّتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوهُ إلَى إلْزَامِ الْعَكْسِ فَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَضُمَّ إلَى تَصْحِيحِ عِلَّتِهِ إبْطَالَ عِلَّةِ خَصْمِهِ، فَإِذَا تَمَّ لَهُ ذَلِكَ دَعَاهُ إلَى الْعَكْسِ، فَإِنْ بَيَّنَ الْخَصْمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ مَعَ نَفْيِ الْعِلَّةِ فَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ حِينَئِذٍ أَنْ يُبَيِّنَ التَّوْقِيفَ الَّذِي مَنَعَ الْعَكْسَ.

ثُمَّ طَرَدَ الْإِمَامُ هَذَا فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ إذَا عَارَضَهَا الْخَصْمُ بِمُتَعَدِّيَةٍ، فَعَلَى الْمُعَلِّلِ بِالْقَاصِرَةِ إبْطَالُ الْمُتَعَدِّيَةِ، فَإِذَا تَمَّ لَهُ إبْطَالُهَا أَلْزَمَ خَصْمَهُ حِينَئِذٍ نَفْيَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّعَدِّي لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>