للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الثَّانِي، كَمَا إذَا وَقَعَ النَّظَرُ فِي أَنَّ زَيْدًا هَلْ كَانَ مَوْجُودًا أَمْسِ فِي مَكَانِ كَذَا.

وَوَجَدْنَاهُ مَوْجُودًا فِيهِ الْيَوْمَ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ، إذْ الْأَصْلُ مُوَافَقَةُ الْمَاضِي لِلْحَالِ. وَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَنَقُولُ: إذَا ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي هَذَا الْمُدَّعِي فَنَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَضْعُ غَيْرَهُ فِيمَا سَبَقَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ إلَى هَذَا الْوَضْعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا كَلَامٌ ظَرِيفٌ وَتَصَرُّفٌ غَرِيبٌ قَدْ يُتَبَادَرُ إلَى إنْكَارِهِ، وَيُقَالُ: الْأَصْلُ اسْتِقْرَارُ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي إلَى هَذَا الزَّمَنِ، أَمَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ انْعِطَافُ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي فَلَا. وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْوَضْعُ ثَابِتٌ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْوَاقِعُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا، كَمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّهُ طَرِيقُ جَدَلٍ لَا جَلَدٍ، وَالْجَدَلُ طَرِيقٌ فِي التَّحْقِيقِ سَالِكٌ عَلَى مَحَجٍّ مُضَيِّقٍ، وَإِنَّمَا تَضْعُفُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ إذَا ظَهَرَ لَنَا تَغَيُّرُ الْوَضْعِ، فَأَمَّا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَلَا بَأْسَ. قُلْت: وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ مُنَافَاةُ هَذَا الْقِسْمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ بِهِ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ [مَا] إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَادَّعَاهُ مُدَّعٍ وَأَخَذَهُ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ.

قَالُوا: فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ وَلَكِنَّهَا تُظْهِرُهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَى إقَامَتِهَا وَيُقَدِّرُ لَهُ لَحْظَةً لَطِيفَةً. وَمِنْ الْمُحْتَمَلِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُدَّعِي وَلَكِنَّهُمْ اسْتَصْحَبُوا مَقْلُوبًا، وَهُوَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ فِيهِ فِيمَا مَضَى، اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ. وَكَذَلِكَ قَالُوا: إذَا وَجَدْنَا رِكَازًا وَلَمْ نَدْرِ هَلْ هُوَ إسْلَامِيٌّ أَمْ جَاهِلِيٌّ؟ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ جَاهِلِيٌّ عَلَى وَجْهٍ، لِأَنَّا اسْتَدْلَلْنَا بِوُجُودِهِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>