للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنُ خَيْرَانَ وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يَجْعَلَا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرَهُ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ فَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِيهَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَضَى فِي امْرَأَةٍ قُتِلَتْ بِالدِّيَةِ وَثُلُثِ الدِّيَةِ، وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ اعْتَمَدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ، أَوْ لِأَنَّهُ قَضَى بِهِ عُثْمَانُ، وَهُوَ قَدْ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ أَحَدِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُ يَشْتَهِرُ غَالِبًا بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُفْتَى. وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الْمَوْضِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ مَرَّةً: الْحُكْمُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعِنَايَةَ بِهِ أَشَدُّ وَالْمَشُورَةَ فِيهِ أَبْلَغُ. وَقَالَ مَرَّةً: الْفَتْوَى أَوْلَى، لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ يُحْمَلُ عَلَى الطَّاعَةِ لِأُولِي الْأَمْرِ. وَعَزَا هَذَا الِاخْتِلَافُ لِلْقَدِيمِ وَجَعَلَهُ مَرْجُوعًا عَنْهُ. وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا سَلَفَ نَصُّهُ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ. تَنْبِيهٌ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنْ ذَكَرَ الْمِنْهَاجُ هَذَا الْقَوْلَ الثَّالِثَ فِي أَصْلِ مَسْأَلَةِ الْحُجِّيَّةِ لَيْسَ بِغَلَطٍ، كَمَا زَعَمَ شُرَّاحُهُ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>