للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَهِدُونَ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ وَنَصٍّ وَ (الثَّانِي) الْمَنْعُ، لَكِنْ لَا يُقِرُّهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ لِيَزُولَ الِارْتِيَابُ بِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُقِرًّا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ بِنَصٍّ وَقَالَا: قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَبِيُّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومٌ فِي الِاجْتِهَادِ مِنْ الْخَطَأِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ يَسْتَدْرِكُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقِهِ " فِي الْأَقْضِيَةِ فَحَصَلَ فِي عِصْمَتِهِمْ فِي الِاجْتِهَادِ مَذَاهِبُ: (ثَالِثُهَا) : نَبِيُّنَا فَقَطْ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُ مُقِرِّينَ عَلَى الْخَطَأِ فِي وَقْتِ التَّنْفِيذِ، وَلَا يُمْهِلُونَ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى يَسْتَدْرِكَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ قُلْت: وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَهُوَ أَفْسَدُ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي غَيْرِ أُمُورِ الدُّنْيَا، أَمَّا أُمُورُ الدُّنْيَا فَيَجُوزُ عَلَى الْكُلِّ، لِحَدِيثِ التَّلْقِيحِ.

مَسْأَلَةٌ تَصَرُّفَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْحَصِرُ فِيمَا يَكُونُ بِالْإِمَامَةِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْفَتْوَى وَوَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْثِ الْجُيُوشِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِنْقَاذِهِ وَالْحُكْمِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَهُوَ الْقَضَاءُ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ الْقُضَاةُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعِبَادَاتِ وَالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَهُوَ الْفَتْوَى وَالْخِلَافُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ إذَا دَارَتْ الْحَادِثَةُ بَيْنَ تَنْزِيلِهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ عَلَى الْفَتْوَى فَعِنْدَنَا تَنْزِيلُهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>