للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ حُكْمَ الْمُبَاحِ يَتَغَيَّرُ بِمُرَاعَاةِ غَيْرِهِ فَيَصِيرُ وَاجِبًا إذَا كَانَ فِي تَرْكِهِ الْهَلَاكُ، وَيَصِيرُ مُحَرَّمًا إذَا كَانَ فِي فِعْلِهِ فَوَاتُ فَرِيضَةٍ أَوْ حُصُولُ مَفْسَدَةٍ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَيَصِيرُ مَكْرُوهًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ نِيَّةُ مَكْرُوهٍ، وَيَصِيرُ مَنْدُوبًا إذَا قَصَدَ بِهِ الْعَوْنَ عَلَى الطَّاعَةِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْإِحْيَاءُ ": بَعْضُ الْمُبَاحِ يَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ صَغِيرَةً كَالتَّرَنُّمِ بِالْغِنَاءِ، وَلَعِبِ الشَّطْرَنْجِ، وَكَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا حَدُّوا الْمُبَاحَ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْإِبَاحَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ عَسِرٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يَدْخُلُ فِيهِ فِعْلُ اللَّهِ وَفِعْلُ السَّاهِي وَالْغَافِلِ وَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ؛ لِاسْتِحَالَةِ تَعَلُّقِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بِهَا، فَإِذَا شَمِلَتْ الْإِبَاحَةُ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَمْنَعُ كَوْنَهَا مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ امْتَنَعَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِبَاحَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَإِلَّا لَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأَفْعَالُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا.

وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الْحَلَالُ وَالْمُطْلَقُ وَالْجَائِزُ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " شَرْحِ كِتَابِ التَّرْتِيبِ ": كُلُّ مُبَاحٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَ كُلُّ جَائِزٍ مُبَاحًا، فَإِنَّا نَقُولُ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ: إنَّهَا جَائِزٌ حُدُوثَهَا، وَلَا نَقُولُ: إنَّهَا مُبَاحَةٌ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ الْمُبَاحَ إذَا وَقَعَ لِتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ ثَمَّتَ بِكُلِّ الْمُرَادَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>