للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كِتَابِهِ " الْمَغَازِي ": وَقَدْ عُدَّ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: وَيُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: ٧٧] الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي ثَعْلَبَةَ: إنَّهُ مَانِعُ الزَّكَاةِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

ُ] سَبَقَ فِي الْكَلَامِ الْوُجُوبُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الْإِمْكَانِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَمَّا ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِمْكَانُ بَلْ يُبْنَى عَلَى السَّبَبِ، فَإِذَا وُجِدَ سَبَبُهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَتَرْجَمَ بَعْضُهُمْ هُنَا التَّمَكُّنَ مِنْ الْفِعْلِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي إلْزَامِ الْأَمْرِ؟ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي " الْمَحْصُولِ ": ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ، وَقَدْ فَاوَضْت فِي ذَلِكَ عُلَمَاءَهُ، فَقَالَ لِي شَيْخَا مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبُو الْوَفَا ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْبَرْجَانِيُّ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ صَحِيحَةٌ فِي مَذْهَبِنَا فِي إلْزَامِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي حَالِ إغْمَائِهِ.

قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَمْرِ، أَمَّا النَّهْيُ فَإِنْ كَانَ عَنْ تَرْكٍ، فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ فِعْلٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ التَّمَكُّنِ مَعْنًى، لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّمَكُّنِ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاحْذَرُوهُ» فَشَرَطَ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْأَمْرِ، وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي النَّهْيِ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>