للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَحِيلٌ أَنْ يُخَاطَبَ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ، وَكَذَا الْمُحْدِثُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِإِنْشَاءِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ مُخَاطَبُونَ بِالتَّوَصُّلِ إلَى مَا يَقَعُ آخِرًا، وَلَا يَتَنَجَّزُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُقُوعِ الشَّرْطِ، وَلَكِنْ إذَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا يَسَعُ الشَّرْطَ وَالْمَشْرُوطَ وَالْأَوَائِلَ وَالْأَوَاخِرَ، فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى حُكْمِ التَّكْلِيفِ مُعَاقَبَةَ مَنْ يُخَالِفُ أَمْرًا نُوجِبُهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا. فَمَنْ أَبَى ذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ قَاطِعُ الْعَقْلِ بِالْفَسَادِ، وَمَنْ جَوَّزَ تَنَجُّزَ الْخِطَابِ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُقُوعِ الشَّرْطِ فَقَدْ سَوَّغَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَأَوَاخِرِ الْعَقَائِدِ وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ فَهُوَ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا.

وَقَالَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ " النِّهَايَةِ ": مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ، أَرَادَ رَبْطَ الْمَأْثَمِ بِهِمْ فِي دَرْئِهِمْ بِالشَّرْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تَفْصِيلِ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ عَلَى كُلِّ مُحَرَّمٍ فِي الشَّرْعِ اقْتَحَمُوهُ وَكُلِّ وَاجِبٍ تَرَكُوهُ، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ بِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَشَرَائِطِهَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْتِزَامِهَا انْتَهَى.

وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ كَيْفَ يُكَلَّفُونَ بِمَا لَوْ فَعَلُوهُ لَمَا صَحَّ؟ وَلِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.

وَالصَّوَابُ: أَنْ نَقُولَ: مُكَلَّفُونَ بِالتَّوَصُّلِ إلَى الْفُرُوعِ بِهِ وَتَقَدُّمِ الْأَصْلِ، فَإِذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَحْصِيلُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَثِمُوا عَلَيْهَا مَعًا كَالْمُحْدِثِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَهَذَا نَافِعٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ التَّكْلِيفَ وَفِي الْفُرُوعِ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا الْإِشْكَالُ يَدُورُ فِي النَّفْسِ.

وَجَمَعَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>