للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا الْمُثْبِتَةِ: إنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالْإِلْزَامُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِ الْفِعْلِ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ وَإِنْذَارٌ، وَأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَا قَارَنَ الْفِعْلَ وَقَالَ الْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِ الْفِعْلِ.

وَاخْتَلَفَ الْمُعْتَزِلَةُ فِي مِقْدَارِ مَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَوْقَاتُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ مَعَ أَصْحَابِنَا عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِهِ بِوَقْتٍ يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَأْمُورِ فَهْمُهُ وَالْعِلْمُ بِمَا يَقْتَضِي مِنْهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ بِأَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِوَقْتٍ وَاحِدٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ شُرُوطًا أُخْرَى مِنْ كَوْنِ تَقَدُّمِهِ صَلَاحًا لِلْمُكَلَّفِ، وَلِغَيْرِهِ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ حَيًّا سَلِيمًا قَادِرًا بِجَمِيعِ شَرَائِطِ التَّكْلِيفِ.

وَاَلَّذِي يَخْتَارُهُ الْقَاضِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُتَقَدِّمَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْفِعْلِ بِوَقْتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: وَقْتُ إدْرَاكِ وَاسْتِكْمَالِ سَمَاعِهِ.

وَالثَّانِي: لِحُصُولِ فَهْمِهِ وَالْعِلْمِ بِالْمُرَادِ بِهِ.

قَالَ: وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَصِحُّ إيقَاعُ الْفِعْلِ فِي حَالِ الْعِلْمِ بِتَضَمُّنِ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ الْمُكَلَّفُ إلَى تَقَدُّمِ دَلِيلٍ لَهُ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ الْمُقْتَضِي لِمُدَّةٍ شَامِلَةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلَى إيقَاعِ مَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ.

وَالْكَلَامُ فِي هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهُمَا: فِي وُجُوبِ تَقْدِيمِ الْأَمْرِ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

وَالثَّانِي: فِي أَنَّ تَقَدُّمَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَإِنْ كَانَ إعْلَامًا وَإِنْذَارًا.

وَالثَّالِثُ: فِي تَصَوُّرِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ حَالَ إيجَادِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>