للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ، وَيَعْنُونَ بِالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ تَعَلُّقَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِضَافَتَهُ إلَيْهِ عَلَى جِهَةِ الْإِسْنَادِ الْإِفَادِيِّ. أَيْ: بِحَيْثُ إذَا عَبَّرَ عَنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ بِلَفْظٍ يُطَابِقُهَا وَيُؤَدِّي مَعْنَاهَا كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ إسْنَادًا إفَادِيًّا. وَمَعْنَى قِيَامِ هَذِهِ النِّسْبَةِ بِالْمُتَكَلِّمِ: أَنَّ الشَّخْصَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: اسْقِنِي مَاءً، فَقَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ قَامَ بِنَفْسِهِ تَصَوُّرُ حَقِيقَةِ السَّقْيِ وَحَقِيقَةِ الْمَاءِ وَالنِّسْبَةِ الطَّلَبِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، وَصِيغَةُ قَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً عِبَارَةٌ عَنْهُ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: مَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ فِي نَفْسِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ عَنْ كَوْنِ الْوَاحِدِ نِصْفَ الِاثْنَيْنِ وَعَنْ حَدَثِ الْعَالَمِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، ثُمَّ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ وَلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْمُخْتَلِفُ هُوَ الْكَلَامُ اللِّسَانِيُّ، وَغَيْرُ الْمُخْتَلِفِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْعِلْمُ الْخَاصُّ سَمْعًا، لِأَنَّ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ إنَّمَا هُوَ عُلُومٌ خَاصَّةٌ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ [عِلْمٍ] ، فَكُلُّ إحْسَاسٍ عِلْمٌ وَلَيْسَ كُلُّ عِلْمٍ إحْسَاسًا. فَإِذَا وُجِدَ هَذَا الْعِلْمُ الْخَاصُّ فِي نَفْسِ مُوسَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ السَّمَاعُ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ عَقَائِدِهِ: مَنْ أَحَالَ سَمَاعَ مُوسَى كَلَامًا لَيْسَ بِصَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ فَلْيُحِلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةَ ذَاتٍ لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>