للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ " عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ آمَنَّا بِهِ " فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُبَيِّنَةُ إجْمَالِ الْوَاوِ فِي الْآيَةِ، وَأَنَّهَا اسْتِئْنَافِيَّةٌ لَا عَاطِفَةٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِلْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُرَجَّحٌ، لِأَنَّهَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.

الثَّالِثُ: فِي تَرْجِيحِ كَوْنِهَا اسْتِئْنَافِيَّةً أَنَّ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ تَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا، وَالْحَالُ فَضْلَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ رُكْنِ الْجُمْلَةِ، وَكَوْنُ الْجُمْلَةِ رُكْنًا أَقْوَى مِنْ كَوْنِهَا فَضْلَةً، وَإِذَا دَارَ أَمْرُ اللَّفْظَةِ بَيْنَ أَقْوَى الْحَالَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَقْوَى أَوْلَى.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى ذَمِّ مُبْتَغِي الْمُتَشَابِهِ، إذْ وُصِفُوا بِزَيْغِ الْقُلُوبِ وَابْتِغَاءِ الْفِتْنَةِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ السُّنَّةُ بِذَمِّهِمْ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: «إذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» .

الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: ٧] يَدُلُّ عَلَى تَفْوِيضٍ وَتَسْلِيمٍ لِمَا لَمْ يَقِفُوا عَلَى حَقِيقَةِ الْمُرَادِ بِهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ الَّذِي مَدَحَ اللَّهُ أَهْلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّسْلِيمِ لِمُرَادِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي فَهْمَهُمْ الْمُرَادَ بِهِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَقْتَضِي عِلْمَهُمْ بِتَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ، نَعَمْ مِنْ الْمُتَشَابِهِ مَا يَعْلَمُ الرَّاسِخُونَ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَالرُّوحِ وَوَقْتِ السَّاعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>