للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَصَّلَ ابْنُ بَرْهَانٍ فَقَالَ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْلِيفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَنَا وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى تَكْلِيفِ الْمُحَالِ، وَبَيَّنَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْمَلَ الْكِتَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ؟ وَسَلَكَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي تَصْوِيرِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكَلَامَ اللِّسَانِيَّ أَوْ النَّفْسَانِيَّ، فَإِنْ كَانَ النَّفْسَانِيَّ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ اللِّسَانِيَّ فَجَوَازُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ، وَيَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَفْعَلَ مَا يَهْدِي بِهِ وَيُضِلُّ بِهِ، وَأَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يُضِلُّ بِهِ وَلَا يَهْدِي بِهِ.

[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ زَائِدٌ إلَّا بِتَأْوِيلٍ، بَلْ يَقُولُ: إنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَبَثُ، فَلَيْسَ فِيهَا لَفْظٌ زَائِدٌ لَا لِفَائِدَةٍ، وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ: " مَا " زَائِدَةٌ وَ " الْبَاءُ " زَائِدَةٌ وَنَحْوَهَا، فَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَخْتَلُّ مَعْنَاهُ بِحَذْفِهَا أَيْ: لَا تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ عَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ الزَّائِدِ لَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ وَاضِعِ اللُّغَةِ فَضْلًا عَنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ. وَجَمِيعُ مَا قِيلَ فِيهِ زَائِدٌ، فَفَائِدَتُهُ التَّوْكِيدُ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْكَلَامِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ غَفْلَةٍ، وَإِنَّمَا صَدَرَ عَنْ قَصْدٍ وَتَأَمُّلٍ، وَذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمُسَاوَاةِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى جَوَازِ إطْلَاقِ الزَّائِدِ فِي الْقُرْآنِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْقَوْمِ وَبِمُتَعَارَفِهِمْ، وَهُوَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِإِزَاءِ الْحَذْفِ هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَالتَّخْفِيفِ، وَذَلِكَ لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>