للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّنْبِيهُ الثَّانِي]

قِيلَ: هَذَا الْخِلَافُ فِي نَفْسِ اللُّغَةِ. أَمَّا حُكْمُهَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَقِيَاسِ النَّحْوِيِّ " إنَّ " النَّافِيَةِ فِي الْعَمَلِ عَلَى " مَا " النَّافِيَةِ بِجَامِعِ كَوْنِهِمَا وَضْعًا عَلَى حَرْفَيْنِ كَنَفْيِ الْحَالِ، وَهَذَا عَجِيبٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي اللُّغَةِ، وَهِيَ غَيْرُ النَّحْوِ، وَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ النَّحْوَ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَقَايِيسِ كَلَامِ الْعَرَبِ؟

قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْعَرَبِ لَا يُضْبَطُ بِالْحِفْظِ انْتَدَبَ لَهُ الْأَئِمَّةُ، وَوَضَعُوا لَهُ قَوَانِينَ يُعْلَمُ بِهَا كَلَامُهُمْ، فَصَارَ النَّوْعُ الَّذِي يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالنَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَالنَّوْعُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، هُوَ اللُّغَةُ، وَيَسْتَوِي فِي حَمْلِهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، لِأَنَّهُ قَيْدُ اللَّفْظِ. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ: قَالَ لِي أَبُو عَلِيٍّ: وَلِأَنَّ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً مِنْ الْقِيَاسِ أَنْبَهُ وَأَنْبَلُ مِنْ كِتَابِ لُغَةٍ عِنْدَ عُيُونِ النَّاسِ، وَقَالَ لِي أَيْضًا: أَخْطَأُ فِي خَمْسِينَ مَسْأَلَةً مِنْ اللُّغَةِ، وَلَا أَخْطَأُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِيَاسِ.

قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَصَدَقَ، لِأَنَّهُ بِالْقِيَاسِ ضُبِطَ كَلَامُهُمْ، وَجَمَعُوا الْكَثِيرَ الَّذِي لَا يَضْبِطُهُ الْحِفْظُ الْقَلِيلُ بِالْقِيَاسِ، وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ حِفْظِ مَا لَا يَنْحَصِرُ إذْ فَاتَهُمْ الْأَصْلُ عَنْ الْعَرَبِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>