للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ الْحُرُوفِ مَا هُوَ مُسْتَحْسَنٌ، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْمُسْتَحْسَنُ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ مُسْتَقْبَحٌ لَمْ يَكُنْ مُنَاسِبًا، غَيْرَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ كُلِّ لَفْظٍ وَمَعْنَاهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُمْكِنُ وَتَفْوِيتٌ لِلزَّمَانِ، فَإِنْ اُتُّفِقَ فِي بَعْضِهَا أَنْ وَقَعَ فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ قِيلَ بِهِ، كَمَا يَقُولُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ كَيْفَ جُعِلَ فِي الشِّدَّةِ الْحَرْفُ الشَّدِيدُ وَهُوَ الدَّالُ مُضَاعَفًا؟ وَالرَّخَاءُ كَيْفَ جِيءَ فِيهِ بِالْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ؟ قَالَ: وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ حُكْمِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي اخْتِيَارِهِ أَحَدُ الرَّافِعِينَ بِحَاجَتِهِ وُجُودُ مُرَجِّحٍ؟ وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، فَالْجَائِعُ يَكُونُ أَكْلُهُ لِعِلَّةِ الشِّبَعِ، أَمَّا اخْتِيَارُهُ أَحَدَ الرَّغِيفَيْنِ لِشِبَعِهِ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ لَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ، فَالْوَضْعُ لِحِكْمَةٍ، وَإِنَّمَا وُضِعَ الْبَابُ بِخُصُوصِهِ لِمَعْنَاهُ فَلَا سَبَبَ لَهُ.

قُلْت: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ: اعْتِبَارُ الْعُرْفِ، وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعِبَارَاتِ لَا تُغْنِي لِأَعْيَانِهَا، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَمَارَاتٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَعَانِي الْمَطْلُوبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>