للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِهِمْ: إنَّ إطْلَاقَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ مَجَازٌ، أَيْ إذَا قَصَدَ تِلْكَ الْحَالَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا.

وَمَعْنَى قَوْلِنَا: قَصَدَ بِهِ تِلْكَ الْحَالَ، أَيْ قَصَدَ مَدْلُولَهُ الْكَائِنَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَمَّا الْحَالُ، فَلَيْسَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ مَوْضُوعًا لَهُ.

الثَّالِثُ: قَدْ عَرَفْت أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ إنْ أُطْلِقَ وَأُرِيدَ بِهِ وَقْتُ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ كَانَ حَقِيقَةً، وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا وَاقِعًا جُزْءَ كَلَامٍ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُ الْمُفْرَدِ يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَإِنَّك إذَا ذَكَرْت الْأَسْمَاءَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَتَرْكِيبٍ وَأَرَدْت بِهَا حَقَائِقَهَا كَانَتْ حَقِيقَةً وَإِلَّا مَجَازًا.

وَإِذَا وَقَعَ جُزْءُ الْكَلَامِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ طَلَبًا أَوْ خَبَرًا، فَإِنْ كَانَ طَلَبًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] اقْتَضَى طَلَبَ قَتْلٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَشْخَاصِ الْمُتَّصِفِينَ بِالشِّرْكِ حِينَ الْقَتْلِ، سَوَاءٌ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْخِطَابِ أَمْ حَادِثِينِ بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْرِكُ بَعْدُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، لِأَنَّهُ مَا قُصِدَ بِهِ إلَّا مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالشِّرْكِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا؟ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَشْرَكَ ثُمَّ أَسْلَمَ، وَلَا مَنْ ظُنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى مُشْرِكًا حَقِيقَةً، بَلْ مَجَازًا لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ سُؤَالَ الْقَرَافِيِّ لَا وَقْعَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَحْكُومُ بِهِ يُقَالُ لَهُ: إنَّ قَوْلَهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] مَعْنَاهُ الَّذِينَ هُمْ مُشْرِكُونَ، فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ الْفَاعِلِ مَحْكُومًا بِهِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ لَيْسَ يُرَادُ، يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُك: الْقَاتِلُ يُقْتَلُ أَوْ الْكَافِرُ يُقْتَلُ، وَأَرَدْت بِهِ مَعْهُودًا حَاضِرًا، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً حَتَّى يَكُونَ الْقَتْلُ قَائِمًا بِهِ مِنْ حِينِ الْخِطَابِ وَهُوَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْقَاعِدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ. هَذَا حُكْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>