للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالرَّازِيَّ فِي " الْمَحْصُولِ " أَنَّ مُوجِبَ الْمَجَازِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْخِطَابِ، وَاخْتَارَ الْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ، وَنُسِبَ إلَى الْكَرْخِيِّ، مِثَالٌ: لَفْظُ الْمُلَامَسَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْوِقَاعِ، فَقَدْ ثَبَتَ مُوجِبُ الْمَجَازِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَثُبُوتُ مَعْنًى هَاهُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْخِطَابِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِالْخِطَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَصَارَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ ثُبُوتَ مُوجِبِ الْمَجَازِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ يَمْنَعُ إجْرَاءَ الْخِطَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى رَأْيٍ، وَلَا يُمْنَعُ عَلَى الْآخَرِ.

وَأَوْضَحَهُمَا الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي " الْعُمْدَةِ " فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالدَّلِيلِ، فَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَطَعْنَا بِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ دَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ لَمْ يَجِبْ أَنْ نَقْطَعَ بِذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ، فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قُضِيَ بِهِ، وَإِلَّا حُكِمَ بِثُبُوتِهِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ. مِثَالُهُ: أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ إقَامَتُهَا، وَكَانَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] يَتَنَاوَلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ قُطِعَ بِأَنَّهَا مُرَادَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ فِي التَّشَهُّدِ كَانَ قَوْلُنَا: (صَلَاةٌ) يَتَنَاوَلُهَا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] وَإِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ سِوَى ذَلِكَ، ثَابِتُ وُجُوبِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا إبْطَالُ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ: إنَّ اللَّمْسَ هُوَ بِالْيَدِ بِأَنْ يُقَالَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْجِمَاعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ النَّقْضُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا وَإِذَا صَارَ مُرَادًا بِهَا بَطَلَ، أَوْ يُرَادُ بِهَا اللَّمْسُ بِالْيَدِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ كَوْنَ الْجِمَاعِ مُرَادًا لَا يَمْنَعُ كَوْنَ اللَّمْسِ مُرَادًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>