للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ قَوْلُنَا: رَأَيْتُ زَيْدًا يُفِيدُ زِيَادَةً فِي مُسَاوَاتِهِ الْأَسَدَ عَنْ قَوْلِنَا: رَأَيْت رَجُلًا مُسَاوِيًا لِلْأَسَدِ فِي الشَّجَاعَةِ، بَلْ قَوْلُنَا: إنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَفَادَ تَأْكِيدَ مُسَاوَاةٍ لَمْ تُفِدْهَا الْحَقِيقَةُ. قَالُوا: وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الِانْتِقَالَ فِيهِ مِنْ اللُّزُومِ إلَى اللَّازِمِ، فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْمَعْنَى بِهِ كَادِّعَاءِ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ، وَدَعْوَى الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ أَبْلَغُ مِنْ دَعْوَاهُ بِلَا دَلِيلٍ. اهـ.

وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَصْلُهَا التَّشْبِيهُ، وَأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَتَمُّ مِنْهُ فِي الْمُشَبَّهِ، وَالِاسْتِعَارَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ قَوْلُنَا: رَأَيْت أَسَدًا يُفِيدُ لَهُ شَجَاعَةً أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُهَا قَوْلُك: رَأَيْتُ رَجُلًا كَالْأَسَدِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى مِثَالِهِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَجَازِ زِيَادَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالْمِثَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَاغَةَ تَارَةً تَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَتَارَةً فِي الْمَجَازِ وَهُوَ الْحَقُّ، فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ يَكُونُ لَهَا مِنْ الْبَلَاغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْمَجَازِ وَبِالْعَكْسِ، وَيَكُونُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ: أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ: أَنَّ مَجَازَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ أَبْلَغُ مِنْ حَقِيقَةِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَأَمَّا مَجَازُ لَفْظٍ، وَحَقِيقَةُ لَفْظٍ آخَرَ فَلَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا انْتِسَابٌ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَحَلِّهِ لَهُ حُكْمٌ فَتَفَطَّنْ لَهُ. وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا التَّبْرِيزِيُّ فِي " شَرْحِ الْحَمَاسَةِ ": أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ الِاسْتِعَارَاتُ، جَيِّدُهَا أَحْسَنُ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فِي الِاسْتِحْسَانِ، فَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ فَتُقَدَّمُ الْحَقِيقَةُ عَلَى الْمَجَازِ، فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>