للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْيَدُ صُورَةٌ خَاصَّةٌ يَتَأَتَّى بِهَا الْإِقْدَارُ عَلَى الشَّيْءِ، فَشَكْلُهَا مَعَ الْإِقْدَارِ كَشَكْلِ السَّرِيرِ مَعَ الِاضْطِجَاعِ، وَهُوَ سَبَبٌ صُورِيٌّ، فَتَكُونُ الْيَدُ كَذَلِكَ، فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْقُدْرَةِ إطْلَاقٌ لِاسْمِ السَّبَبِ الصُّورِيِّ عَلَى السَّبَبِ.

وَوَجْهُ كَوْنِ صُورَةِ الْيَدِ سَبَبًا لِلْقُدْرَةِ أَنَّهَا لَوْ خُلِقَتْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا لَنَقَصَ فِعْلُهَا وَبَطَلَ، فَبِتِلْكَ الصُّورَةِ تَتِمُّ قُدْرَةُ الْيَدِ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْقُدْرَةَ، فَلِمَ ثُنِّيَتْ وَجُمِعَتْ، وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ؟ . وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا جُمِعَتْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقَاتِهَا، فَاسْتَقَرَّ لَهَا مَا صَدَرَ عَنْهَا مِنْ الْآثَارِ الْعَدِيدَةِ. وَيَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ آثَارَهَا قِسْمَانِ: إمَّا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَوْ لِأَنَّ آثَارَهَا الْجَوَاهِرُ وَالْأَعْرَاضُ أَوْ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَقَدْ انْعَكَسَ هَذَا الْمِثَالُ عَلَى الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَأَتْبَاعِهِ، وَقَالُوا: كَتَسْمِيَةِ الْيَدِ قُدْرَةً. قَالَ الْقَرَافِيُّ: صَوَابُهُ كَتَسْمِيَةِ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ، فَإِنَّ الْيَدَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ سَبَبُ الْيَدِ؛ إذْ لَا تُوضَعُ إلَّا بِهَا، فَإِنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالْيَدِ هُنَا إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُسَوِّغُ لِلتَّصَرُّفِ لَا الْجَارِحَةُ. وَاعْتَرَضَ الْأَصْفَهَانِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَيْسَتْ صُورَةَ الْيَدِ، بَلْ لَازِمَةٌ لِصُورَةِ الْيَدِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا صُورَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ. وَمِثَالُ الرَّابِعِ: تَسْمِيَةُ الْعَصِيرِ خَمْرًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} [الأعراف: ٢٦] وَقَوْلُهُ: رَعَيْنَا الْغَيْثَ أَيْ النَّبَاتَ الَّذِي سَبَبُهُ الْغَيْثُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا

<<  <  ج: ص:  >  >>