للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَانِعُونَ تَمَسَّكُوا بِأَنَّ الرَّحْمَنَ مَجَازٌ فِي الْبَارِي تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ الْمَوْصُوفِ بِالتَّعَطُّفِ، وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي اللَّهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: عَلِيٌّ رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أَيْضًا، وَمَعْنَاهُ: مُنْعِمُ الْيَمَامَةِ، وَبِأَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي الِاسْتِعْمَالَ فِي حَقِّ الْبَارِي سُبْحَانَهُ، غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعَلِّلُ الْوَاقِعَ، وَهُوَ تَأَكُّدُ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، إذْ لَا اعْتِدَادَ بِالِاسْتِعْمَالِ إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِ الْوَضْعِ مُضَادًّا لَهُ مُنَافِيًا إيَّاهُ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَجَازٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ.

[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ عَنْ الْمَجَازِ]

هَلْ مِنْ شَرْطِ الْمَجَازِ أَنْ يُتَجَوَّزَ بِهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَمْ يَجُوزُ أَنْ يُتَجَوَّزَ عَنْ الْمَجَازِ؟ هَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأُصُولِيُّونَ. وَسَبَقَ عَقْدُ مَسْأَلَةٍ فِيهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا فِيهِ خِلَافٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ، فَإِنْ نَوَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْعِتْقِ صَحَّ، وَإِنْ نَوَى كِنَايَةً بِأَنْ أَرَادَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ، فَيُجْعَلُ قَائِمًا مَقَامَ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الْحَرَامُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يُكَنَّى عَنْهُ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهَا لَمْ يَجِبْ هُنَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ يَكُونُ لَهَا كِنَايَةٌ لِضَعْفِهَا، وَإِنَّمَا الْكِنَايَةُ عَنْ الصَّرِيحِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>