للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي التَّرْجِيحَاتِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمَجَازِ]

فِي التَّرْجِيحَاتِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمَجَازِ إذَا كَانَ لِلْمَجَازِ عَلَاقَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَاحْتُمِلَ التَّجَوُّزُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيَّ أَنَّ أَوْلَاهَا إطْلَاقُ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ جَعْلُ التَّخْصِيصِ جُزْءًا مِنْ الْمَجَازِ، وَالتَّخْصِيصُ مِنْ الْمَجَازِ هُوَ كَذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَحْسَنَ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ الِاسْتِعَارَةُ فَلْتَكُنْ أَقْوَاهَا، وَلِقُوَّتِهَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ، ثُمَّ يَلِيهَا الْإِضْمَارُ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْفَهْمِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْرٍ مَحْذُوفٍ لَا مَذْكُورٍ، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُوجِبْ بِمُجَرَّدِهِ خَلَلًا، فَكَانَ قَوِيًّا، وَبَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ مُتَقَارِبَةٌ. وَقَالُوا: إنَّ إطْلَاقَ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ أَحْسَنُ مِنْ الْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالُوا فِي بَابِ التَّرْجِيحِ: إنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ اجْتَمَعَ فِيهَا السَّبَبُ وَالْمُسَبَّبُ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهَا أَوْلَى فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ. وَإِنْ تَعَارَضَ مَجَازَانِ، وَأَحَدُهُمَا تَحَقَّقَتْ عَلَاقَتُهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الَّذِي لَمْ تَتَحَقَّقْ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى الْمُسَاوِمَيْنِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمَا بَائِعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالشَّافِعِيَّةُ حَمَلُوهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازٌ، وَمَجَازُ الشَّافِعِيَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَلَاقَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ وَإِرَادَةِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ صُدُورُ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: الِاتِّفَاقُ عَلَى مَجَازِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا؟ فَرُجِّحَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>