للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي التَّبْيِينِ وَرُدَّ الْبَاقِي إلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ، فَإِنَّ قَوْلَك: سِرْت مِنْ الدَّارِ إلَى السُّوقِ بَيَّنَتْ مَبْدَأَ السَّيْرِ وَكَذَا الْبَاقِي، وَقَالَ فِي " الْمَحْصُولِ ": إنَّهُ الْحَقُّ. الثَّالِثُ: أَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا لِلتَّبْعِيضِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِإِطْبَاقِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. وَالرَّابِعُ: وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْغَايَةِ جَمِيعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِهِ حَقِيقَةٌ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: " مِنْ " لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ أَنْ يَعْلَقَ التُّرَابُ بِالْيَدِ، بَلْ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْلُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَالْحَجَرِ الصَّلْدِ يَكْفِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ابْتَدَأَ بِالْأَرْضِ، وَلَوْ مَسَحَ عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ الثِّيَابِ لَا يَكْفِيهِ.

وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لِلتَّبْعِيضِ حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَعْلَقَ التُّرَابُ بِالْيَدَيْنِ، وَحَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفِعْلُ كَقَوْلِك: هَذَا الْمَكَانُ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ، وَهَاهُنَا الْفِعْلُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] . وَمَنْ جَعَلَ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ، وَالْمَسْحُ مِنْ الْآيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّعِيدِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِ: {مِنْهُ} [المائدة: ٦] عَلَى أَنَّهُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَضَافَ إلَيْهَا مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ انْتِهَاءُ الْغَايَةِ وَمُثِّلَ بِقَوْلِهِمْ: رَأَيْتُ مِنْ دَارِي الْهِلَالَ مِنْ ذَلِكَ السَّحَابِ. قَالَ: ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ انْتَهَى. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ: رَأَيْته مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَجُعِلَتْ غَايَتُهُ لِرُؤْيَتِك. أَيْ: مَحَلًّا لِلِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>