للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَا أُنْظِرُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَذَلِكَ لَهَا، ثُمَّ تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ، بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا، وَلَا اعْتِرَاضَ مِمَّا فِي السُّؤَالِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ لَا تُطَلِّقُونِي؛ لِأَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِالْبَيَانِ بِأَنَّهَا هِيَ الْمُطَلِّقَةُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ هِيَ الْمُطَلِّقَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إنْ أَحَبَّتْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْلَى، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا نَجْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ فَتُنَفِّذُ هِيَ طَلَاقَهَا إنْ شَاءَتْ.

وَطَلَاقُ الْمَوْلَى عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقِسْمٌ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ إذَا قَالَ لَهَا: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَفِيهَا أَقْوَالٌ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَوْلٍ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ بَاقِيَ وَطْئِهِ بَعْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ حَرَامٌ، فَإِذَا رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنْجِزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْهُ وَرَضِيَتْ بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ فَلَهَا ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: سَمِعْت أَبَا مَرْوَانَ بْنَ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيَّ يَسْتَحْسِنُ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَتَّابٍ، وَيَقُولُ لَوْ كَانَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَعُدَّتْ مِنْ فَضَائِلِهِ.

قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ، قَالَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فَمَا طَلَّقَتْ بِهِ نَفْسَهَا جَازَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَجْذُومُ فَلَا خِيَارَ لَهَا حَتَّى تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهَا أَمْرَهَا تُطَلِّقُ مَتَى شَاءَتْ، وَلَكِنْ عَلَى السُّلْطَانِ إذَا كَرِهَتْهُ وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِوَاحِدَةٍ، إذَا يَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ إلَّا أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ سَنَةٍ كَانَ مُوَسْوِسًا أَوْ يَغِيبُ مَرَّةً وَيُفِيقُ أُخْرَى، وَهَذَا يُوَضِّحُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ مِنْ تَقْسِيمِ الطَّلَاقِ الْمَحْكُومِ بِهِ، أَنَّ قِسْمًا مِنْهُ تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً دُونَ الْحَاكِمِ، وَقِسْمًا آخَرَ يُنْفِذُهُ الْحَاكِمُ إذَا طَلَبَتْهُ.

تَنْبِيهٌ: وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَتَّابٍ فِي التَّقْسِيمِ الطَّلَاقُ الَّذِي يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَرِهَتْ إيقَاعَهُ كَزَوَاجِهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَتَزْوِيجِهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ وَنِكَاحِهَا لِلْفَاسِقِ، وَمَنْ تَزَوَّجَتْ مَعَ وُجُودِ وَالِدِهَا، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلِيُّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَأَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ بَابٌ يَطُولُ تَعْدَادُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>