للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ مَثَلًا وَقِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ فِي الْوَطْءِ أَنْ يَفْسَخَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْفَسْخِ بِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ الرَّهْنِ عِنْدَهُ، وَالْإِلْزَامُ بِمُقْتَضَاهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ أَنْ يَفْسَخَهُ بِمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ دَوَامُ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَ الْعَوْدِ مُطْلَقًا، فَالْحُكْمُ بِالْفَسْخِ لِأَجْلِ الْعَوْدِ الْمَذْكُورِ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِمُوجِبِهِ عِنْدَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. فَهَذِهِ الْفُرُوقُ التِّسْعَةُ مَعَ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْعَاشِرُ يَحْصُلُ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ]

ِ وَذَلِكَ فِي أُمُورٍ: مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا إذَا صَدَرَا فِي مَجَالِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِيهَا، وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ، إمَّا عَامًّا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ أَوْ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَكَمَا لَا يَرِدُ النَّقْضُ عَلَى الْحَاكِمِ بِالصِّحَّةِ لَا يَرِدُ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهَا إذَا أَجَزْنَاهُ، فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ مَعَ عَدَمِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ قَدْ وَقَعَ مُخْتَلًّا، وَالْحُكْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ غَيْرُ الْحُكْمِ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَيَسُوغُ لِمَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَهُ إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ قَبْلَهُ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الصَّادِرِ بِالْمُوجِبِ، وَكَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَى تَسْوِيغَ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُنْقَضُ

وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي كِتَابُ حُكْمٍ يُسَوَّغُ تَنْفِيذُهُ عِنْدَ نَفَّذَهُ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِيهِ أَوْ بَعُدَتْ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ بِالْمُوجِبِ، بِخِلَافِ كِتَابِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَامِعِ الْبَيِّنَةِ بِحَيْثُ تُقْبَلُ فِي مِثْلِهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ إمْضَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، يَعْنِي اشْتِرَاطَ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.

وَمِنْهَا تَقْدِيمُ الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ بِالْمُوجِبِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا تَغْرِيمُهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>