للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ تَارَةً يَكُونُ خَبَرًا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ]

وَتَارَةً يَكُونُ إنْشَاءً قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ تَارَةً يَكُونُ خَبَرًا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَتَارَةً يَكُونُ إنْشَاءً لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ قَدْ حَكَمْت بِكَذَا فِي الصُّورَةِ الْفُلَانِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِحَسَبِ مَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ، وَالثَّانِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ أَنِّي أَلْزَمْت فُلَانًا بِكَذَا فَهَذَا إنْشَاءٌ لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَلَا الْكَذِبَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ الطَّلَبِ مِنْ الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِكَذَا، وَإِنَّمَا يُوصَفُ هَذَا بِالصِّحَّةِ أَوْ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

تَنْبِيهَاتٌ: فِي التَّسْجِيلَاتِ بِإِحْيَاءِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِشْهَادِ بِهِ، وَفِي الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بِيَدِهِ حُكْمٌ مِنْ قَاضٍ أَوْ شِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ مَنْزِلٍ، فَيَقُومُ بِذَلِكَ إلَى سُلْطَانِ مَوْضِعِهِ لِيَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لِيُحْيِيَهُ لَهُ بِالْحُكْمِ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، حَتَّى يُعَارِضَهُ فِيهِ أَحَدٌ بِخُصُومَةٍ أَوْ دَعْوَى، وَلِيُحْيِيَهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ يُشْهِدَ عَلَى شَهَادَةِ شُهُودِ الْكِتَابِ إنْشَاءً، إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرَأَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، الْحَقِّ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ، وَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُهُمْ هَا هُنَا، وَمَنْ يَعْدِلُهُمْ، فَيَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ أُولَئِكَ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ وَيُحْيِيَ لَهُ بِهِمْ حَقَّهُ قَبْلَ فَوْتِهِ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ عَلَيْهِ وَمَوْتِهِ، وَأَنَّهُ يَجِدُ الْآنَ مَنْ يَعْدِلُ بِهِ شَهَادَةَ الطَّارِئِينَ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ السُّلْطَانُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُحْيِيَهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ إذْ لَا يَعْرِفُونَهُمْ فَمِثْلُ هَذَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ لَهُ فِيهِ وَيُحْيِيَ لَهُ حَقَّهُ، وَيُشْهِدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَذْكُرَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُخَاصِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَا قَطَعَ السُّلْطَانُ بِهِ حُجَّةَ أَحَدٍ يَقُومُ عَلَيْهِ، وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ بِهِ سَبَبُ الْإِحْيَاءِ، أَوْ يَكُونُ حَقًّا أَوْ حُكْمًا قَدْ دُرِسَتْ وَثِيقَتُهُ وَأَشْفَتْ عَلَى الذَّهَابِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَهَا إلَّا بِنَظَرِ السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لَهُ فِيهَا بِمَا يُحْيِيهَا، وَيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ حُجَّةَ أَحَدٍ.

نَوْعٌ مِنْهُ: وَفِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَصْبَغُ: وَقَدْ سُئِلَ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي إلَى قَاضٍ بِكِتَابٍ فِيهِ قَضَاءُ غَيْرِهِ فَيَسْأَلُهُ أَنْ يُثْبِتَهُ عِنْدَهُ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ حَكَمَ لَهُ بِمَا فِيهِ، وَيُشْهِدَ لَهُ بِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ لِمَا يَتَخَوَّفُ مِنْ مَوْتِ شَاهِدَيْهِ أَوْ حَوَادِثَ يَخْشَاهَا عَلَيْهِ، هَلْ يَسْمَعُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>