للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَوْعٌ مِنْهُ: إذَا دَخَلَ تَحْتَ يَدَيْ الْقَاضِي مَالٌ لِغَائِبٍ فَقَامَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُهُ وَأَحْضَرَ عَقْدًا بِوَكَالَتِهِ، وَذَكَرَ الشُّهُودُ فِي الْعَقْدِ أَنَّ تَارِيخَ الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ قَبْلَ كِتَابَةِ هَذَا الْعَقْدِ بِعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَفِي الْعَقْدِ أَنَّهُ وَكِيلُهُ عَلَى طَلَبِ حُقُوقِهِ كُلِّهَا وَقَبْضِهَا وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَقَبْضِ مُسْتَغَلَّاتِهِ تَوْكِيلًا تَامًّا مُفَوَّضًا أَقَامَهُ فِيهِ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُثْبِتَهُ لَهُ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ الْغَائِبَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي أَظْهَرَ الْوَكِيلُ وَلَا رَأَى الْكِتَابَ، وَإِنَّمَا لَفَّقَ الْوَكِيلُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ حِفْظِ الشُّهُودِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْعَاءِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ وَشِبْهُهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الشَّهَادَةَ فِيهِ عَلَى الْوَكَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا، إلَّا بِأَنْ يَنُصَّ الشَّاهِدُ مَعَانِيَهَا مِنْ حِفْظِهِ كَمَا يَزْعُمُ الْقَائِمُ بِالْوَكَالَةِ أَنَّ مِنْ حِفْظِهِمْ كَتَبَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي هَذِهِ شَهَادَتِي أَشْهَدُ بِهَا عِنْدَك لِيُعَلَّمَ لَهُ عَلَيْهَا يَعْنِي عَلَامَةَ الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ وَتَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَسَعُ الْقَاضِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّسَاهُلُ فِي مِثْلِ هَذَا، فَاَللَّهَ اللَّهَ فِي الِاهْتِبَالِ بِأُمُورِ النَّاسِ وَالنَّظَرِ لِنَفْسِك، قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: لَا يَدْفَعُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْمَالَ لِلْوَكِيلِ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ عَلَى قَبْضِهِ تَوْكِيلًا يَنُصُّ فِيهِ عَلَى قَبْضِهِ، وَأَمَّا بِالتَّوْكِيلِ الْمُكْتَتَبِ فَلَا، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، فَرَأَى مِنْ النَّظَرِ إبْقَاءَهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينِ الْقَاضِي مَعَ مَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ.

نَوْعٌ مِنْهُ: وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ أَيْضًا قَالَ: وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ أَتَى بِيَتِيمَةٍ بَلَغَتْ إلَى الْقَاضِي أَوْ يَتِيمٍ بَالِغٍ، وَقَالَ: إنَّ أَبَاهُ أَوْ أَبَا هَذَا أَوْصَى بِهِ إلَيَّ وَبِمَالِهِ وَقَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّضَا وَأَنَا أَبْرَأُ إلَيْهِ بِمَالِهِ فَاكْتُبْ لِي بَرَاءَةً مِنْهُ قَالَ يَكْتُبُ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ، إنَّ فُلَانًا أَتَى بِفُلَانٍ صِفَتُهُ كَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ يُسَمَّى فُلَانًا أَوْ بِامْرَأَةٍ صِفَتُهَا كَذَا وَزَعَمَ أَنَّهَا تُسَمَّى فُلَانَةَ وَأَنَّ أَبَاهَا أَوْصَى إلَيْهِ بِهَا وَبِمَالِهَا، وَأَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَبْلَغَ الْأَخْذِ لِنَفْسِهَا وَالْإِعْطَاءِ مِنْهَا وَسَأَلَنَا أَنْ نَأْمُرَهُ بِدَفْعِ مَالِهَا وَأَنْ نَكْتُبَ لَهُ الْبَرَاءَةَ فَأَمَرْنَاهُ بِذَلِكَ، فَدَفَعَ لَهَا عِنْدَنَا كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ أَشْهَدَنَا عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيَكْتُبُ لَهُ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ وَصِيُّهُ، إلَّا بِقَوْلِهِ. قِيلَ لَهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ هَكَذَا قَالَ نَعَمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْبَرَاءَةَ إلَّا هَكَذَا، ذَكَرَهَا ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>