للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَبْسُوطَةِ لِأَشْهَبَ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ، وَتَرْكِ الْإِخْبَارِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ بَعِيدٌ.

وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ تَفْصِيلٌ آخَرُ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الشَّرْحِ لَهُ: الشَّهَادَاتُ تَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدْعَى إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ الْخَاصَّةُ بِالْمَالِ. وَقِسْمٌ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ مِثْلُ: الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَشَبَهِ ذَلِكَ. إلَّا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ أَشْهَبَ. وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَعْنِي فِي وُجُوبِ الْقِيَامِ بِهَا، وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ لِلْغَائِبِ.

وَقِسْمٌ مِنْهَا لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا إذَا لَمْ يُدْعَ إلَيْهَا، وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْمَخْلُوقِ. كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُ الْقِيَامُ بِهِ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ السَّتْرُ إلَّا فِي الْمُشْتَهِرِ. وَقِسْمٍ مِنْهَا لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ الْقِيَامُ بِهَا، وَإِنْ دُعِيَ إلَيْهَا وَهِيَ: الشَّهَادَةُ مَنْ بَاطِنُهَا خِلَافُ ظَاهِرِهَا.

مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قُلْنَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ، فَهَلْ يَكُونُ جُرْحَةً أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى: فِي الشَّاهِدِ يَرَى مِلْكَ رَجُلٍ يُبَاعُ، أَوْ يُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي الشَّاهِدِ حِينَ رَأَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِشَهَادَتِهِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ جُرْحَةً، إذَا عَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ إنْ كَتَمَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِشَهَادَتِهِ بَطَلَ الْحَقُّ، وَأَدْخَلَ بِذَلِكَ مَضَرَّةً أَوْ مَعَرَّةً، أَمَّا غَيْرُ هَذَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ تَرَكَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي لِهَذَا الشَّاهِدِ أَنْ يُعْلِمَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً بِكَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ رَبُّ الْحَقِّ حَاضِرًا، وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ أَنْ لَيْسَ لِحَقِّهِ شَاهِدٌ.

وَيَنْبَغِي لِهَذَا الشَّاهِدِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَفِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَاتِ الْمَكْتُومَةِ كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ.

فَصْلٌ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَكُلُّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ، لِجَرْحَةٍ فِيهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ، فَإِنْ شَهِدَ فَلْيُخْبِرْ الْحَاكِمَ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، أَوْ قَرِيبٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ.

وَإِذَا شَهِدَ مُجَرَّحٌ فَلَا يُخْبِرُ الْقَاضِيَ بِجُرْحَتِهِ، لِئَلَّا يُبْطِلَ الْحَقَّ، وَقِيلَ بَلْ يُخْبِرُ الْقَاضِيَ بِجُرْحَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>