للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ ذَكَرَ فِيهِ الصَّدَاقَ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْعَقْدُ بِإِجْمَاعٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَوَّزَ نِكَاحَ التَّفْوِيضِ.

[فَصْلٌ الْإِشْهَادُ فِي الرَّجْعَةِ]

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْإِشْهَادُ فِي الرَّجْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَحَكَى الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ وَاجِبٌ لِرَفْعِ الدَّعَاوَى وَتَحْصِينِ الْفُرُوجِ وَالْأَنْسَابِ، وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْوُجُوبَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الْقَرَوِيِّينَ.

وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَلَاءِ: الْوُجُوبَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ أَمْرٌ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَقِيلَ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى، وَأَشْهِدُوا عِنْدَ الرَّجْعَةِ وَالْفُرْقَةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] عَقِبَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ وَالْإِمْسَاكِ بِالرَّجْعَةِ وَالْمُفَارَقَةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الْجَمِيعِ رُجُوعًا وَاحِدًا إمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا نَدْبًا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْمَالِكِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الْمَعْنَى فِي الْإِشْهَادِ، أَنَّهُ يُشْهِدُ ذَوَيْ عَدْلٍ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَ، وَأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَمُوتَ فَتَدَّعِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ تَمُوتَ هِيَ فَيَدَّعِيَ الزَّوْجُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ لِيَنْحَسِمَ مَا يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا إذَا أَمْسَكَهَا بِالرَّجْعَةِ فَيُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا، لِيُعْلَمَ أَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّةٍ لِمَا يُخْشَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَوْتِ، قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: وَيَجِبُ عِنْدِي لِمَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ أَنْ لَا يَنْتَظِرَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، وَلْيُشْهِدْ شَاهِدَيْنِ حِينَ الطَّلَاقِ أَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ، خَشْيَةَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ فِي مَعْنَى الَّتِي انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ يَلْزَمَ الْإِشْهَادُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ حِينَ الطَّلَاقِ مَخَافَةَ الْمَوْتِ، وَيُشْهِدُ أَيْضًا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ عَلَى انْقِضَائِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ الزَّوْجُ فَتَدَّعِيَ الْمِيرَاثَ، أَوْ تَزْعُمَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْإِشْهَادَ وَاجِبٌ، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ بِتَرْكِهِ آثِمًا لِتَضْيِيعِ الْفُرُوجِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>