للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ كَاتِبِ الْوَثَائِق]

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ مَا نَذْكُرُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْكِتَابَةِ، قَلِيلَ اللَّحْنِ، عَالِمًا بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، عَارِفًا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْحِسَابِ وَالْقِسَمِ الشَّرْعِيَّةِ، مُتَحَلِّيًا بِالْأَمَانَةِ، سَالِكًا طُرُقَ الدِّيَانَةِ وَالْعَدَالَةِ، دَاخِلًا فِي سِلْكِ الْفُضَلَاءِ، مَاشِيًا عَلَى نَهْجِ الْعُلَمَاءِ الْأَجِلَّاءِ، فَهِيَ صِنَاعَةٌ جَلِيلَةٌ شَرِيفَةٌ وَبِضَاعَةٌ عَالِيَةٌ مُنِيفَةٌ، تَحْتَوِي عَلَى ضَبْطِ أُمُورِ النَّاسِ عَلَى الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ، وَحِفْظِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَمُجَالَسَةِ الْمَمْلُوكِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى أُمُورِهِمْ وَعِيَالِهِمْ، وَبِغَيْرِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ ذَلِكَ وَلَا يَسْلُكُ هَذِهِ الْمَسَالِكَ.

وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَصَّبَ لِكِتَابَةِ الْوَثَائِقِ إلَّا الْعُلَمَاءُ الْعُدُولُ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكْتُبُ الْكُتُبَ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا عَارِفٌ بِهَا عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ مَأْمُونٌ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: ٢٨٢] .

وَأَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُ وُجُوهَ الْكِتَابَةِ وَلَا يَقِفُ عَلَى فِقْهِ الْوَثِيقَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ الِانْتِصَابِ لِذَلِكَ، لِئَلَّا يُفْسِدَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ فَلَا يَنْبَغِي تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضَعُ اسْمَهُ بِشَهَادَةٍ فِيمَا يَكْتُبُ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَلِّمُ النَّاسَ وُجُوهَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَيُلْهِمُهُمْ تَحْرِيفَ الْمَسَائِلِ لِتَوْجِيهِ الْإِشْهَادِ، فَكَثِيرًا مَا يَأْتِي النَّاسُ الْيَوْمَ يَسْتَفْتُونَ فِي نَوَازِلَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ وَالْمُشَارَكَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَنْكِحَةِ الْمَفْسُوخَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَرَفَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الدِّيَانَةِ أَتَوْا إلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ، فَحَرَّفُوا أَلْفَاظَهَا، وَتَحَيَّلُوا لَهَا بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صَرِيحِ الْفَسَادِ، وَأَضَلُّوا. وَتَمَالَأَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى التَّهَاوُنِ بِحُدُودِ الْإِسْلَامِ وَالتَّلَاعُبِ فِي طَرِيقِ الْحَرَامِ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧] .

[فَصْلٌ رَأَى السُّلْطَانُ قَصْرَ الْوَثَائِقِ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ]

قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَإِذَا رَأَى السُّلْطَانُ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ قَصْرَ الْوَثَائِقِ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ اثْنَيْنِ، لِكَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلُ يُوثَقُ بِهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>