للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فَطِنًا نَزِهًا مَهِيبًا حَلِيمًا مُسْتَشِيرًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ سَلِيمًا مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ لَا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَرِعًا بَلَدِيًّا غَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُصِفَ بِذَلِكَ كَانَ النَّاسُ مِنْهُ فِي حَذَرٍ وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي تَعَبٍ، وَقَدْ أَطَالَ النَّاسُ فِي صِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ: وَجُمْهُورُ الْمُقَلِّدِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا تَجِدُ عِنْدَهُمْ مِنْ آثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَبِيرَ شَيْءٍ وَإِنَّمَا مُصْحَفُهُمْ مَذْهَبُ إمَامِهِمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَكْبِرٍ عَنْ مَشُورَةِ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرِعًا ذَكِيًّا فَطِنًا، مُتَأَنِّيًا غَيْرَ عُجُولٍ، نَزِهًا عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، عَاقِلًا مَرْضِيَّ الْأَحْوَالِ مُوثَقًا بِاحْتِيَاطِهِ فِي نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فِي دِينِهِ وَفِيمَا حَمَلَ مِنْ أَمْرِ مَنْ وَلِيَ النَّظَرَ لَهُمْ، غَيْرَ مَخْدُوعٍ، وَقُورًا مَهِيبًا عَبُوسًا مِنْ غَيْرِ غَضَبٍ، مُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، حَاكِمًا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، لَا يَطَّلِعُ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ وَلَا يَخْشَى فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا فِقْهَ عِنْدَهُ، أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَا حَدِيثَ عِنْدَهُ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَالْآثَارِ وَيُوَجِّهُ الْفِقْهَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحُكْمُ. قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فَقِيرًا وَهُوَ أَعْلَمُ مَنْ فِي الْبِلَادِ وَأَرْضَاهُمْ اسْتَحَقَّ الْقَضَاءَ. وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يَغْنَى وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ. وَهَذَا مِنْ الْمُصَالَحَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَعَاهُ فَقْرُهُ إلَى اسْتِمَالَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَالضَّرَاعَةِ لَهُمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالْإِكْبَارِ إذَا تَخَاصَمُوا مَعَ الْفُقَرَاءِ، فَإِذًا كَانَ غَنِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَخْوَفَ فِي نَفْسِهِ مِنْ النَّاسِ وَهَبَهُ اللَّهُ السَّلَامَةَ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا كَثِيرَ التَّحَرُّزِ مِنْ الْحِيَلِ وَمَا يَتِمُّ مِثْلُهُ عَلَى الْمُغَفَّلِ وَالنَّاقِصِ وَالْمُتَهَاوِنِ، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالشُّرُوطِ عَارِفًا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَاخْتِلَافِ مَعَانِي الْعِبَارَاتِ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ فِي الدَّعَاوَى وَالْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ كِتَابَ الشُّرُوطِ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ حُقُوقَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ تُسْمَعُ بِمَا فِيهِ، فَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ أَوْ لَا يَصِحُّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عِلْمٌ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ وَبِمُجْمَلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ وَذَلِكَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>