للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْيَمِينُ الرَّافِعَةُ لِلدَّعْوَى، فَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَيُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ هِيَ الْيَمِينُ الرَّافِعَةُ لِلدَّعْوَى.

وَأَمَّا الْيَمِينُ الْمُنْقَلِبَةُ، فَهِيَ أَنْ يُطْلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى، فَيَنْكُلُ عَنْهَا فَتَنْقَلِبُ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ، فَإِنْ جَهِلَ الْمَطْلُوبُ رَدَّهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَلَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهَا، فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا شَيْءَ لَهُ.

فَرْعٌ: فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي حِينَ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ، ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَدَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَعَادَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ الْمُدَّعِي مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.

فَرْعٌ: وَعَكْسُ هَذَا إذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ شَاهِدًا آخَرَ، فَقِيلَ يُضَمُّ إلَى شَاهِدِهِ الْأَوَّلِ، وَتَبْطُلُ يَمِينُ الْمَطْلُوبِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَلَّمْت فِيهِ ابْنُ كِنَانَةَ، فَقَالَ: هَذَا عِنْدَنَا وَهْمٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا أَبَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا الِاعْتِدَادُ بِهِ بِشَاهِدٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، مِثْلُ الْمَرْأَةُ تُقِيمُ شَاهِدًا عَلَى طَلَاقِ زَوْجِهَا إيَّاهَا، وَالْعَبْدُ يُقِيمُ شَاهِدًا عَلَى عِتْقِ سَيِّدِهِ إيَّاهُ، فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ ثُمَّ يَجِدُ الطَّالِبُ مِنْهُمَا شَاهِدًا آخَرَ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ لَهُ إلَى شَاهِدِهِ الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ يَمِينُ الْحَالِفِ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَقِيلَ إنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ سِوَى الْأَوَّلِ قَضَى لَهُ بِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ قُضِيَ لَهُ بِهِمَا، وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ اُسْتُؤْنِفَ الْحُكْمُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ. اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِشَهَادَةِ الثَّانِي، أَوْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْعَدَمَ.

وَقَالَ: إنَّ الْمُدَّعِيَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُ الْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى، فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا مَقَالَ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى الْيَمِينَ الْمُصَحِّحَةَ لِلدَّعْوَى، وَالْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>