للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْعَالِمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّدَ شَهَادَتَهُ وَيُمْضِيَهَا بِقَوْلِهِ بِمَا يَقْتَضِي مَضَاءَهَا، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى الِاسْتِشَارَةِ فَلَا يُشَاوِرُ إلَّا مَنْ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُشَاوِرَهُ لِعِلْمِهِ وَدِينِهِ وَنَظَرِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْكَامِ مَنْ مَضَى، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ نُظِرَ إلَى أَشْبَهِ ذَلِكَ بِالْحَقِّ فَأَخَذَ بِهِ. وَمِنْهَا: لِأَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي أَمْرٌ تَرَكَهُ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِالصُّلْحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْقَاضِي كَلَامُ الْخَصْمَيْنِ وَهَذَا مَانِعٌ لَهُ مِنْ التَّصَوُّرِ، فَيَأْمُرُهُمَا بِالْإِعَادَةِ حَتَّى يَفْهَمَ عَنْهُمَا، وَقَدْ يَفْهَمُ عَنْهُمَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ وَجْهُ الْحُكْمِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إذَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي أَمْرٌ تَرَكَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْحُكْمِ بِاتِّفَاقٍ، ثُمَّ لِلْقَاضِي حِينَئِذٍ أَنْ يُرْشِدَهُمَا لِلصُّلْحِ. قَالَ: وَالْأَقْرَبُ إنْ كَانَ هُنَالِكَ قَاضٍ غَيْرُهُ صَرَفَهُمَا إلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُمَا بِالصُّلْحِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا الصُّلْحُ.

وَفِي " الْمُتَيْطِيَّةِ " إذَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي وَجْهُ الْحَقِّ أَمَرَهُمْ بِالصُّلْحِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الصُّلْحِ وَلْيَقْطَعْ بِهِ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ بِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ أَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ أَوْ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ أَقَامَهُمَا وَأَمَرَهُمَا بِالصُّلْحِ، وَقَدْ أَقَامَ سَحْنُونٌ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي جِيرَانِهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَقَالَ اُسْتُرَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا وَلَا تُطْلِعَانِي عَلَى سِرِّكُمَا.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدِّدُوا الْقَضَاءَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ.

وَفِي " الطُّرَرِ " لِابْنِ عَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ بِالصُّلْحِ إذَا تَقَارَبَتْ الْحُجَّتَانِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ تَكُونُ الدَّعْوَى فِي أُمُورٍ دَرَسَتْ وَتَقَادَمَتْ وَتَشَابَهَتْ، وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ مَوْضِعَ الظَّالِمِ مِنْ الْمَظْلُومِ لَمْ يَسَعْهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا فَصْلُ الْقَضَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَرَى لِلْوَالِي أَنْ يُلِحَّ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ يَعْرِضَ عَنْ خُصُومَتِهِ لِأَجْلِ أَنْ يُصَالِحَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُمْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ إنْ طَمِعَ بِالصُّلْحِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِذَلِكَ أَنْفَذَ بَيْنَهُمْ الْقَضَاءَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " رَدِّدُوا الْقَضَاءَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ " مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَرُدَّهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا وَجَبَ الْحَقُّ لَمْ يَنْبَغِ لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَخِّرَ إنْفَاذَهُ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا طَالَ الْخِصَامُ فِي أَمْرٍ وَكَثُرَ التَّشْعِيبُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَرِّقَ كُتُبَهُمْ إذَا رَجَا بِذَلِكَ تَقَارُبَ أَمْرِهِمْ، وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>