للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّادِسُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَحْبَاسُ، وَيُحْتَرَمُ بِحُرْمَتِهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِمَنْ بَتَلَ فِيهَا الْحَبْسَ الْمَذْكُورَ، وَيُجَاوِزُونَهَا بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهَا تُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَحْبَاسُ، وَتُحْتَرَمُ بِحُرْمَتِهَا سَقَطَتْ الشَّهَادَةُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْمُحْبَسِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ حَبْسًا، حَتَّى يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْمُحْبِسِ يَوْمَ حُبِسَ.

فَرْعٌ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إذَا ذَكَرُوا فِي وَثِيقَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ اسْمَ الْمُحْبِسِ، وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ مَوْتِهِ، وَعِدَّةُ وَرَثَتِهِ عَلَى تَنَاسُخِ الْوِرَاثَاتِ، ثُمَّ يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِدْفَعٌ نَفَذَ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا بَعُدَ عَهْدُ مَوْتِ الْمُحْبَسِ وَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ وَإِثْبَاتُ وَرَثَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَاقِطٌ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إثْبَاتُ ذَلِكَ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ يُحَدِّدُ بِنَحْوِ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ مَعَ الْقِدَمِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ سَمِعْنَا أَنَّهَا حَبْسٌ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ الْمُحْبَسِ مَنْ هُوَ، لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ وَهِيَ تَامَّةٌ.

فَرْعٌ وَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي سَمِعُوا فِيهَا؟ وَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ فِي الْوَثِيقَةِ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا إسْقَاطُ مُدَّةِ السَّمَاعِ، فَهُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُكْرِي وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ: لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْوَثِيقَةِ مُدَّةَ السَّمَاعِ لِذَلِكَ لِمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ.

السَّابِعُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ عَلَى الضَّرَرِ فَإِذَا شَهِدَ بِهِ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ قَوْلِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ لَهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِمَعْرِفَةِ الضَّرَرِ، وَشَهِدَ لَهَا السَّمَاعَ مَعَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزَّوْجِ فِيهِ مِدْفَعٌ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى جِيرَانِهِمَا، فَإِذَا كَانَ إضْرَارُهُ بِهَا مَشْهُورًا مَعْرُوفًا حَتَّى تَوَاطَأَ سَمَاعُهُمْ عَلَى ظُلْمِهِ لَهَا فِي إسَاءَةِ عِشْرَتِهَا فِي غَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ النِّسَاءُ الْعُدُولُ، أَوْ غَيْرُهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى سَمَاعِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ، طَلَّقَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، وَقَدْ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الضَّرْبَ الْوَجِيعَ بِالذَّنْبِ تَرْتَكِبُهُ، وَقَدْ شَجَّ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - زَوْجَتَهُ، انْتَهَى مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>