للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهَادَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ، وَيُعْمِلُونَهَا لِلضَّرُورَةِ كَشَهَادَةِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ مَعَ التَّوَسُّمِ، وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ يَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي كِتَابِ الْمَذْهَبِ - إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ لَا عُدُولَ فِيهِ قُبِلَتْ شَهَادَةُ أَمْثَلِهِمْ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ السِّيَاسَةِ: نَصَّ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّا إذَا لَمْ نَجِدْ فِي جِهَةٍ إلَّا غَيْرَ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا نُضَيِّعُ الْمَصَالِحَ. قَالَ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يُخَالِفُهُ فِي هَذَا، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ فِي الْإِمْكَانِ وَهَذَا كُلُّهُ لِلضَّرُورَةِ، لِئَلَّا تَنْهَدِرَ الدِّمَاءُ وَتَضِيعَ الْحُقُوقُ وَتَتَعَطَّلَ الْحُدُودُ، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْمَأْتَمِ وَالْأَعْرَاسِ وَالْحَمَّامِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَأَجَازُوا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، وَأَوْجَبُوا الْقَسَامَةَ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ حِفْظًا لِلدِّمَاءِ، وَأَجَازُوا تَرْجَمَةَ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَسْخُوطِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَأَجَازُوا الْحُكْمَ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ النَّصْرَانِيِّ فِي الْعُيُوبِ وَفِي مَقَادِيرِ الْجِرَاحِ وَتَسْمِيَتِهَا، وَأَجَازُوا إشْهَادَ النِّسَاءِ فِي قِيَاسِهِنَّ الْجِرَاحَ حَيْثُ يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَأَجَازُوا شَهَادَةَ السَّمَاعِ فِي الضَّرَرِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَشَهَادَةَ اللَّفِيفِ مِنْ النَّاسِ وَالْجِيرَانِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَجَازُوا فِي الشَّهَادَةِ فِي الرَّضَاعِ أَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى لَفِيفِ الْقَرَابَةِ وَالْأَهْلِينَ وَالْجِيرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا كَالنِّسَاءِ وَالْخَدَمِ، أَنَّهُ اتَّصَلَ عِنْدَهُمْ أَنَّ فُلَانًا أَرْضَعَتْهُ فُلَانَةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ فِي الْأَغْلَبِ وَلَا يَعْتَنِي الْأَهْلُونَ بِإِحْضَارِ عُدُولِ النِّسَاءِ لَهُ.

وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّمَاعَ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الثِّقَاتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلُهُ أَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى لَفِيفِ الْقَرَابَةِ، يُرِيدُ أَنَّ الْحَاكِمَ أَرْسَلَهُمْ لِيَشْهَدُوا وَيَكْشِفُوا عَنْ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>