للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

الثَّانِي يُمْكِنُهُ السُّؤَالُ وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ، وَلَكِنْ يَتْرُكُهُ اشْتِغَالًا بِدُنْيَاهُ وَرِيَاسَتِهِ وَمَعِيشَتِهِ، فَهَذَا مُفَرِّطٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْوَعِيدِ آثِمٌ بِتَرْكِهِ لَهُ، مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِنْ تَارِكِي بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ، فَإِنْ غَلَبَ مَا فِيهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى عَلَى مَا فِيهِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْهُدَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ غَلَبَ مَا فِيهِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْهُدَى قُبِلَتْ.

الثَّالِثُ الَّذِي يَسْأَلُ وَيَتَطَلَّبُ وَيَتَبَيَّنُ لَهُ الْهُدَى، وَيَتْرُكُهُ تَقْلِيدًا أَوْ تَعَصُّبًا أَوْ بُغْضًا أَوْ مُعَادَاةً لِأَصْحَابِهِ فَهَذَا أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا وَتَكْفِيرُهُ مَحِلُّ اجْتِهَادٍ، فَإِنْ كَانَ مُعْلِنًا دَاعِيًا لِبِدْعَتِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَفَتَاوِيهِ وَأَحْكَامُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةٌ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَحَالِ غَلَبَتِهِمْ وَاسْتِيلَائِهِمْ وَكَوْنِ الْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ مِنْهُمْ، فَفِي رَدِّ شَهَادَتِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ إذْ ذَاكَ فَسَادٌ كَبِيرٌ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ لِلضَّرُورَةِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ النَّاسُ فُسَّاقًا إلَّا الْقَلِيلَ النَّادِرَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُحْكَمُ بِشَهَادَةِ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ مِنْ الْفُسَّاقِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَإِنْ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى صِحَّةِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ وَنُفُوذِ أَحْكَامِهِ وَإِنْ أَنْكَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَكَذَا الْعَمَلُ عَلَى صِحَّةِ كَوْنِ الْفَاسِقِ وَالِيًا فِي النِّكَاحِ وَوَصِيًّا فِي الْمَالِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ قَبْلَ هَذَا قَالَ: وَإِذَا غَابَ الظَّنُّ عَلَى صِدْقِ الْفَاسِقِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَحُكِمَ بِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ مُطْلَقًا، بَلْ يَثْبُتُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ، فَيُعْمَلُ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ وَفِسْقُهُ عَلَيْهِ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ لِرَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مَأْخَذَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْوُثُوقِ بِهِ وَأَنَّهُ تَحْمِلُهُ قِلَّةُ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ وَنُقْصَانُ وَقَارِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ.

الثَّانِي: هَجْرُهُ عَلَى إعْلَانِهِ بِفِسْقِهِ وَمُجَاهَرَتِهِ بِهِ، فَقَبُولُ شَهَادَتِهِ فِيهِ إبْطَالٌ لِهَذَا الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، قَالَ: فَإِذَا عُلِمَ صِدْقُ لَهْجَتِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ وَأَنَّ فِسْقَهُ بِغَيْرِ الْكَذِبِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ، وَقَدْ اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادِيًا يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا وَثِقَ بِقَوْلِهِ أَمَّنَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ رَاحِلَتَهُ وَقَبِلَ دَلَالَتَهُ، وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ: إذَا شَهِدَ الْفَاسِقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ فِي الْقَضِيَّةِ، وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>