للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الشَّهَادَةِ مِنْ ذِي عُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ فِي ذَلِكَ مِنْ شُهُودِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَرْضَاهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ فَيُشْهِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ يَرْضَاهُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى شُهُودِهِمْ.

الثَّانِي: مَا يُرْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ مِمَّا يَقَعُ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَحْضُرُهُ غَيْرُهُمْ وَلَا يَشْهَدُ فِيهِ سِوَاهُمْ، مِثْلُ الْإِقْرَارَاتِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَالْجِرَاحِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيقَاتِ فِيهِ، وَالْعِتْقِ وَأَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ فِي سُكْنَى مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ، كَذَلِكَ سُكَّانُ ضَوَاحِيهَا وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ مَسَائِلُ الْمَذْهَبِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ سَمَاعَ شَهَادَتِهِمْ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ جَائِزَةٌ لِلضَّرُورَةِ، وَإِلَّا كَانَتْ تُهْدَرُ الدِّمَاءُ وَتَتَعَطَّلُ الْحُدُودُ وَتَضِيعُ الْحُقُوقُ، وَقَدْ أَجَازُوا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْجِرَاحِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ مِثْلَ الْعُرْسِ وَالْمَأْتَمِ وَالْحَمَّامِ وَالْقَتْلِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَأَجَازُوا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ صِيَانَةً لِلدِّمَاءِ، وَأَجَازُوا إشْهَادَ الرُّفْقَةِ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّوَسُّمِ، وَأَجَازُوا تَعْرِيفَ غَيْرِ الْعَدْلِ بِالْمَرْأَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ، وَأَجَازُوا تَرْجَمَةَ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالْمَسُوطِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُدُولِ، وَأَجَازُوا قَوْلَ الطَّبِيبِ النَّصْرَانِيِّ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ فِي مَقَادِيرِ الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحِ وَتَسْمِيَتِهَا، وَفِي ذَلِكَ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ الْجَارِحِ، أَنَّ الْجُرْحَ مُوضِحَةٌ أَوْ مُنَقِّلَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعُيُوبِ، وَأَجَازُوا قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِي قِيَاسِ الْجِرَاحِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَأَجَازُوا شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الْقَتْلِ، وَجَعَلُوهُ لَوْثًا يُقْسِمُ مَعَهُ الْأَوْلِيَاءُ وَفِي الْمَذْهَبِ لِابْنِ رَاشِدٍ.

وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ عُدُولٌ قُبِلَ مِنْهُمْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ لِلضَّرُورَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ، ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَبْلَ هَذَا فِيمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ، أَنَّهُ إذَا لَمْ نَجِدْ فِي جِهَةٍ إلَّا غَيْرَ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ.

وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالُوا قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَإِذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ، فَهَلْ يُكْتَفَى مِنْهُمْ بِالنِّصَابِ الْمَحْدُودِ فِي الشَّهَادَاتِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْكَثْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ؟ هَذَا مَحَلُّ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَيَحْسُنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>