للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ يُسْتَفَادُ مِنْهُمَا الْحُكْمُ فِي أُمُورٍ هِيَ وَاقِعَةٌ عِنْدَنَا.

مِنْهَا: مَا وَقَعَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يُخْلَى مِنْهُمْ وَيُعَمَّرُ بِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَمِثْلُ هَذَا وَقَعَ عِنْدَنَا فِي زَمَنِ الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ قَدْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَشْهَدِ، وَأَسْكَنَهُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَكَتَبَ عَلَى بَابِهِ فِي لَوْحِ رُخَامٍ: أَنَّهُ اُفْتُتِحَ هَذَا الْمَكَانُ فِي سَنَةِ كَذَا، ثُمَّ أَنَّهُمْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَصَارَ فَقِيهُهُمْ الشَّرْشِيرُ يُلَازِمُ الْجُلُوسَ فِيهِ وَيَشْتَغِلُ فِيهِ النَّاسُ، وَنَشَأَ عَنْ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعِ شَرٌّ كَثِيرٌ وَأَثَرُهُ بَاقٍ إلَى الْآنَ، وَأَحْدَثَ فِيهِ بِرْكَةً صَارَ الْمَوْضِعُ يُقْصَدُ لِأَجْلِهَا، وَكَذَلِكَ أَحْدَثَ هَذَا الشَّرْشِيرُ بِرْكَةً فِي رِبَاطِ الْمُعِينِ، وَصَارَ الرِّبَاطُ لِأَجْلِهَا مَقْصِدًا وَمَجْمَعًا لَهُمْ، وَيَسْكُنُ فِيهِ الْغُرَبَاءُ مِمَّنْ يُشَغِّلُهُمْ فِي مَذْهَبِهِمْ وَيُقَوِّي بَعْضَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ وَالضَّرَرِ، وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَنْ تُخَلَّى عَلَى مُقْتَضَى الْجَوَابَيْنِ، وَلَا تُهْدَمُ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِاجْتِمَاعِهِمْ، وَلَوْ أَحْدَثُوا مَوْضِعًا لِلِاجْتِمَاعِ كَمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْهَدْمِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي، وَلَا يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ رِبَاطًا أَوْ وَقْفًا، فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ الْوَاقِعَةَ فِيهِ إذَا لَمْ تَنْحَسِمْ إلَّا بِهَدْمِهِ جَازَ هَدْمُهُ، وَيَنْبَغِي إسْكَانُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْمَشْهَدِ، وَإِشْرَاكُ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَهُمْ فِي رِبَاطِ الْمُعِينِ عَلَى وَجْهٍ يَنْحَسِمُ بِهِ الْفَسَادُ، وَيَجِبُ إزَالَةُ الْبِرْكَتَيْنِ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ، لِأَنَّهُمَا أُحْدِثَتَا فِي وَقْفٍ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى الْوَقْفِ، وَاَلَّذِي أَحْدَثَهُمَا لَيْسَ بِنَاظِرٍ شَرْعِيٍّ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْفَسَادِ.

وَمِمَّا فَعَلَهُ الْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْفَرِدُونَ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فِي مَسْجِدٍ مُبَايِنٍ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَسَدَّ بَابَهُ وَمَنَعَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَأَلْزَمَهُمْ بِالصَّلَاةِ مَعَ النَّاسِ فَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْضُ طَلَبَةِ الشَّرْشِيرِ حَظِيرَةً بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ الْعِيدِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ عَوَامُّ الْبَلَدِ يُصَلُّونَ الْعِيدَ فِيهَا مُنْفَرِدِينَ، وَإِنْ كَانُوا يُظْهِرُونَ مُوَافَقَةَ إمَامِ الْجَمَاعَةِ فَشُووِرَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي هَدْمِهَا، فَأَذِنَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِهَدْمِهَا فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، فَهُدِمَتْ وَزَالَ أَثَرُهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَيَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>